الأجواء المشحونة التي يعيشها لبنان اليوم حيث تنتقل «البقع الساخنة» من منطقة إلى أخرى وتشتعل تحت تأثير الأزمة السورية، لم تمنع مئات الطلاب العرب من الانتساب إلى الجامعات اللبنانية المختلفة وتثبيت تسجيلهم لفصل الصيف الجاري أو فصل الخريف المقبل، خصوصاً في أقسام الدراسات العليا. وعلى رغم كلّ التحذيرات التي أطلقتها حكومات عربية عدّة، خصوصاً دول الخليج، حول خطورة الوضع في لبنان ناصحة رعاياها بعدم التوجه إليه، فإنّ الطلاب يتهافتون على الجامعات اللبنانية لأسباب عدّة منها الوضع المتأزم في البلد الذي يأتون منه مثل مصر وسورية، أو رغبتهم في الانتساب للجامعات المعروفة بعراقتها وأدائها العالي مع القرب الجغرافي وإتقان اللغة المحلية. وبرز في الفترة الأخيرة سبب آخر، هو عدم توافر مستوى الدراسات العليا في العديد من الجامعات العربية، فيما أصبحت هذه الدراسات مُتاحة في لبنان ضمن الجامعات الخاصة أو الجامعة الرسمية بعد إنشاء المعاهد العليا للدكتوراه لمختلف الاختصاصات. مناخ حرية إقبال الطلاب العرب على الجامعات اللبنانية لم يتراجع في الأشهر الماضية على رغم الوضع الأمني المضطرب، على عكس التوقّعات، باستثناء الطلاب السعوديين الذين أبلغتهم الملحقية الثقافية السعودية في بيروت بضرورة مغادرة لبنان والعودة إلى المملكة، وعدم التسجيل في الفصل الدراسي الصيفي في الجامعات اللبنانية بسبب الاضطرابات الأمنية. ولكنّ الطلاب من الجنسيات الأخرى ما زالوا يجدون في لبنان وجهة علمية لا غنى عنها. ويشرح الطالب المصري أحمد، الذي ينهي دراسة الماجستير في الحقوق، أنّ قدومه إلى لبنان كان قبل اندلاع الثورة في مصر، لكن بعد هذه الفترة قرّر البقاء لاستكمال دراساته العليا وليس الإجازة فقط لأنّ «معايير التعليم الجامعي ما زالت ضائعة في مصر بعد التغيّر في نظام الحكم وحدوث العديد من المشاكل السياسية والاضطرابات الأمنية التي تعيق عملية التقدّم الأكاديمي». أمّا الطالب محمود من الأردن، فلديه سبب آخر للمجيء إلى لبنان بهدف الحصول على شهادة الدكتوراه وهو بحثه عن «مناخ من الحرية» لم يجده في بلده. ويقول محمود: «الازدهار الفكري يحتاج إلى أجواء معيّنة تسمح بحرية الفكر بعيداً من القيود والعوائق، وإلا تكون كلّ الأبحاث متماثلة». ووجد محمود هذا المناخ في لبنان، حيث يمكن أن يطرح مختلف القضايا للمناقشة مع زملائه أو الأساتذة من دون أن يواجه برفض أفكاره وطروحاته. كلّ هذه الأسباب وغيرها يوردها الطلاب العرب حين يُسألون عن سبب متابعتهم لتعليمهم في لبنان. لكنّ ذلك لا يعني أبداً عدم وجود أي مشكلات تواجههم خلال إقامتهم. فالأوضاع الأمنية تؤثر مباشرة عليهم، إذ يشعرون بالتهديد الدائم والقلق، وهذا ما ينطبق على الطلاب الآتين من منطقة الخليج العربي وتحديداً الذين يتلّقون إنذارات من سفارات بلادهم لترك لبنان عند حدوث أي مشكلة أمنية. ويروي الطالب أيمن من دولة الكويت، كيف أنّ أهله يضغطون عليه للعودة إلى بلاده لخوفهم من تردي الأوضاع في لبنان، ولكنّه يحاول طمأنتهم بتأكيده أنّ المشاكل الأمنية تحدث في مناطق بعيدة من مكان سكنه في العاصمة بيروت. وأكاديمياً، هناك مشكلة اختلاف المناهج أيضاً، خصوصاً أنّ معظم الجامعات اللبنانية تعتمد على اللغتين الإنكليزية والفرنسية في الاختصاصات العلمية تحديداً، وهو ما يشكّل حجر عثرة أمام الطلاب القادمين من العراق أو سورية أو مصر، حيث تدرّس معظم المناهج باللغة العربية. ويُضاف إلى ذلك الهمّ المالي المستجدّ على الطلاب، مع الارتفاع المضطرد لأسعار الإيجارات في العاصمة وضواحيها. وفي هذا السياق يشير الطالب الجزائري مسعود إلى أنّ المشكلة لم تكن بهذه الحدّة في السنوات السابقة، ويضيف: «الطلاب الميسورو الحال يمكن أن يجدوا حلاً في إيجار الغرف الجامعية، ولكن ماذا عن ذوي الدخل المحدود؟». وهذه المشكلة نفسها يواجهها الطلاب اللبنانيون الذين يضطرون إلى النزوح من المناطق البعيدة عن العاصمة لاستكمال تعليمهم، فتستنزفهم الإيجارات والمواصلات، وهذا ما يطرح تساؤلاً مشتركاً بينهم وبين بعض زملائهم الوافدين: هل يصبح التعليم أيضاً حكراً على الأغنياء فيما لا تُتاح فرص التقدّم والتطوّر لمتوسطي الحال أو الفقراء الذين لا تدعمهم دولهم في تحصيلهم العلمي؟