على رغم توالي اللكمات والصدمات على وزارة الصحة، إلا أنها تتمتع بقدرة فائقة على الصمود والتظاهر بأن الفواجع الكبرى يمكن أن تلطّف وتقدم وكأنها خطأ عابر لا يستحق الضجيج ولا الشوشرة التي لا يألفها المسؤولون، لاسيما أن التقارير الدورية الكاذبة التي تدفع بين يديهم تطرز بأجمل العبارات، وتختتم بأشهر الجمل ذيوعاً وانتشاراً وذكراً من البطانة الفاسدة، وهي جملة «كل شيء على ما يرام». في جازان، حُقِنَت رهام بالأيدز، وكان جرحاً إنسانياً رهيباً تعاملت معه الوزارة بجملة من قرارات امتصاص الغضب، ومحاولة إقناع المجتمع الخائف بأن ذلك لا يعدو كونه استثناء وخطأ وحيداً لم يحدث من قبل، ولا يمكن أن يتكرر، وجاهد المتحدثون باسم الوزارة في احتواء فضيحة جازان على الصعيد الإعلامي، وقاموا بتأثيث مطبخ إعلامي محترف للتعايش مع الواقع، واحتواء ردود الفعل الصاخبة والناقمة على الوزارة، وصمتها الطويل على جملة الأخطاء الطبية، وما ظهر منها وما بطن، وسأقسم بأنه لو كثّف وركّز الجهد المبذول من فريق التنظير والتلميع نحو إصلاح الخلل الإداري الموجود، والوقوف بسرية على الضياع الذي يتحدث عنه من هم داخل البيت الصحي، لكان ذلك أجدى وأجمل وأكثر إقناعاً ومساعدة في بلع وتقبل التصريحات والوعود والحماسة الموقتة. ومن جازان إلى القصيم، كان ثمة موعد آخر مع فضيحة جديدة حين حقنت الطفلة راما وعن طريق الخطأ بجرعة من العلاج الكيماوي الخاص بمرضى السرطان، وأعلم أن الخطأ لا تعريف آخر له سوى أنه خطأ، ولكن وزارة الصحة تتعامل مع هذا الخطأ وغيره كحادثة عادية تدفع بالصبر والتحمل وربما «الآيباد»، ويتم تجاوزها بالنسيان والدخول في معمعة خطأ جديد مقبل. ستتفرغ الوزارة ومن يتحدث عنها وباسمها ومنها لتلطيف الجو وسوق الوعود، وأن العقوبات ستطاول الجميع، وسيمنع الطاقم الأجنبي من السفر، وسيحرم الطاقم السعودي من الإجازة، وما إلى ذلك من الأسطر الجاهزة والمعبأة والقادمة من ثلاجة وزارة الصحة تلك الثلاجة التي أعدت خصيصاً لمثل هذه الفضائح! التضحية ببضع كراسي من فئة الكبار ستكون أول خطوة فعلية للتصحيح، لأن هذه الخطوة لم تجربها الوزارة، فهي تستأسد فقط على الكراسي الصغيرة، والميدان يتطلب تضحية مزدوجة ومتناغمة، الطفلة راما سيتم إسكاتها كما تم إسكات رهام، ولكن بهدية أقل قيمة لفارق وتبعات الحقنتين، لكن راما القصيم ستبقى وتظل في ذمة الوزارة كما هي رهام جازان من قبل، وعلى رغم أنني لا أتمنى سوءاً لأحد، لكن ماذا ستفعل الوزارة لو عبرت حقنة العلاج الكيماوي في جسد طفلة مسؤول في الوزارة ذاتها؟ ماذا سيحدث بالضبط؟ هل ستنتفض الوزارة أم تنفض كراسيها؟ ما أخشاه أن نضطر مع الجديد من الفضائح والمقبل من الأيام، أن أطالب بوزارة للطب الشعبي نيابة عن وزارتنا، التي تستحق أن نقول عنها حالياً وزارة «كيف الصحة؟»! [email protected] alialqassmi@