أقرأ قائمة الإعفاءات في صحة جازان على خلفية قضية الفتاة «رهام» كمحاولة سريعة وعاجلة لامتصاص الغضب الشعبي، ولتثبت الوزارة المغضوب عليها أنها تمكنت من وضع يديها على مسببات الجرح وقطعت ذيول العار، ولا أظنها كذلك على الإطلاق، فالمشوار طويل ومرهق وشاق، لأن الأرضية - قطعاً - غير صالحة. كنت أتمنى إعفاءات مدعمة بقليل من الإيضاح عن سر إعفاء هذا! وسر إعفاء ذاك! أما المرور المستعجل بصيغة أقرب للتأديب لا الجزاء على غالبية من عبرت من أمامهم خطوات فضيحة الأيدز، فذاك يجعلنا نؤمن بأن وزارة الصحة فعلت العاطفة الوقتية ليس إلا، من دون أن تصنع خريطة علاج لفضائح قد تولد في المستقبل. طالبت في مقالة سابقة بإسقاط كل الرؤوس التي أسهمت في الإهمال والفشل، وكنت أطمح مع جملة هذه الإعفاءات إلى أن نمرَّ على بعض الرؤوس الكبيرة، التي تتحدث من علو، وتدافع عن أي خطأ جسيم أو مرعب بما أمكن من التبريرات، أو توزيع المسؤوليات، أو الاعتذار المجامل المصحوب بألم أكبر. يطالب الوسط المحلي بإقالة وزير الصحة وأنا ضد هذه المطالبات، لكون الإقالة لن تقدم أو تؤخر ما دامت التركيبة العامة مهترئة، والتخطيط معدوماً، والضياع منتشراً في أوساط الوزارة، ولي أن أضرب مثالاً قبل أسبوع حين شحذت طوب الأرض من أجل مقعد في العناية المركزة لجدة «تسعينية»، وباءت محاولاتي بالفشل من دون سبب مقنع وهي متمددة في غرف الإنعاش في أقسام الطوارئ لأربعة أيام، على رغم أن الأسماء تأتي من السماء على كرسي العناية الأشبه بالحلم، والفوضى الإدارية تضرب أقسام المستشفى بالكامل. الوزارة تعاني كثيراً، ولا تملك تخطيطاً ولا استراتيجيات موزونة مدروسة، هي تسير ببركات الرب، ووفق قرارات فردية مستندة إلى العلاقات والحالات المزاجية، ولكم من كارثة رهام جازان أن تعلموا أن مدير مستشفى جازان العام تم تكليفه في بداية العام الهجري الماضي، والمدير الطبي له أقل من عام تقريباً، ومدير المختبر «بمستشفى نقل الأيدز» تم تغييره أكثر من مرة خلال عامين، ومدير بنك الدم بالطريقة ذاتها، ومدير المستشفى له ما يقارب العام أيضاً، ومن قبله قدم طلب إعفاء من منصبه لضعف الإمكانات، فقط مدير المختبرات وبنوك الدم بالمنطقة من أمضى أربعة أعوام، وهذا مؤشر صريح إلى أن التعيينات بالمجمل تقوم على طريقة القص واللصق، أو أن الفضيحة حين تنفجر فستأخذ في طريقها القريبين من تاريخ حدوثها، لا أولئك الذين يؤسسون للضياع والفشل والتردي الإداري والفساد العام. الوزارة في حاجة ماسة لفصل توأمتها مع العديد من الأشقاء كالفشل، والفساد، والضياع، والإهمال والرقابة الهشة، وسوء التخطيط، والاستراتيجيات العرجاء، نريد أن تحيا الوزارة ويموت كل توأم، وقد تتهمنا الوزارة بأن الرحمة منزوعة من قلوبنا حين نتمنى وفاة توائمها، لكنا نصرّ على أنها منزوعة منها ما دام المواطن يفتش عن مئات الفيتامينات من أجل سرير طبي أو فرصة علاج، نريد رحمتها بنا، وبمن يعقدون الآمال عليها، أما الإعفاءات فهي هدية الوزارة لإسكات المجتمع، وسنقبلها كما قبلت ابنتنا وفتاة جازان «رهام» جهاز الآيباد، لكننا سنظل نشحذ الوزارة أن تتكفل بعلاجها، كما لو كانت ابنة مسؤول كبير وفي أرقى مستشفيات العالم، حتى نستعيد بارقة أمل في عودة الرحمة لوزارتنا المائلة. [email protected] @alialqassmi