حدث نوع من الانعطافة مع التوجه نحو «مكننة» الفكر، خصوصاً مع ابتكار الحساب الرمزي على يد عالم الرياضيات جورج بوول الذي عمل على تحويل عمليات المنطق إلى معادلات حسابية مبنية، تكتب بطريقة اللغة الثنائية للرياضيات المُكوّنة من صفر و1. وحلم بوول بترجمة الفكر الإنساني إلى معادلات رياضية بسيطة. بعده، اخترع شارل بابيج آلة ميكانيكية تستطيع إجراء عمليات حسابية مُعقّدة، سمّاها «آلة التحليل» Analytic Machine، ووُصِفَت لاحقاً بأنها كانت الشكل الأولي للكومبيوتر كما نعرفه الآن. لا أول في الابتكار بعبارة أخرى، لم يكن اختراع الكومبيوتر إلا محصّلة لتطوّر في مفاهيم الفكر والرياضيات، وكذلك طُرُق تجسيد المعرفة الفكرية عبر إشارات ورموز قابلة للحساب، إضافة إلى تقنيات إلكترونية ساعدت في ظهور الذاكرة الرقميّة. في هذا البُعد التقني، من المستطاع استعادة محطّات مثل تطوّر تقنيات البرمجة (البطاقات المثقبة) وظهور الآلات الحاسبة التي تعمل بالكهرباء (1920). ما لبث أن برز حدثان مهمان. جاء الأول في عام 1936 على يد عالِم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ (1912 - 1954) الذي تخيّل جهازاً افتراضياً (سمّوه لاحقاً: «آلة تورينغ» Turing Machine) يفترض أنه يستطيع صوغ مسائل الرياضيات كلها وإشكالياتها، عبر مجموعة عمليات بسيطة، ما أدى إلى تطوّر في الخوارزميات Algorithms، وهي أساس برامج المعلوماتية حتى الآن. تمثّل الحدث البارز الثاني في أعمال عالِم الرياضيات جون فون نيومن (1903 - 1957)، وهو أول من صمّم جهاز حاسوب يستند إلى «آلة تورينغ». استطراداً، واضح في هذا المسار أن كل اختراع يعتمد على كل ما سبقه، فلا يبدو منطقيّاً الحديث عن أول سيارة وأول حاسوب وأول قطار، بل إن كل اختراع هو حصيلة لما سبقه من اكتشافات عالمياً. وفي هذا المعنى المحدّد، يمكن الحديث عن ريادة حاسوب شامل صنعته شركة «آي بي إم» IBM الأميركية في عام 1951، سُميّ «أونيفاك» Univac، واستطاع أداء عمليّات متنوّعة تشمل الحساب واللغة ومعالجة النصوص وغيرها، على غرار ما يفعل الكومبيوتر الآن.