لا تكاد الابتسامة تفارق وجه أم محمد، فكل من يعرفها يصفها بأنها «بشوشة ومرحة في حديثها، ومتفائلة وتملك إيماناً قوياً، جعلها تصبر على مرارة المرض وصعوبة العلاج والمدة الطويلة التي قضتها بين السفر والتنقل، ولكنها تملك إرادة كبيرة». تجاوزت أم محمد العقد الخامس من عمرها، حين اكتشفت أنها مصابة بالسرطان. وبابتسامتها التي لا تفارقها تشكر الله عز وجل أن مد في عمرها، ومنحها الصحة والعافية. وتقول: «تنقلت بين أربعة مستشفيات، هي: الأمير سعود بن جلوي، والملك فهد وكلاهما في الأحساء. وبعد ذلك مستشفى الحرس الوطني في الرياض، ثم مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض. وكانت هي محطتي الأخيرة والجميلة والمرة في حياتي الصحية». في المستشفى التخصصي تم فتح رئة أم محمد، بعد أن كان بها «بقعة سوداء»، ومكثت هناك شهراً، بعدها رجعت إلى الأحساء. ثم تم فتح الرئة الثانية، ووجدوا جميع البقع السوداء «سليمة». وهنا قرر الأطباء فتح الصدر وإزالة البقع اللمفاوية. كما قرروا إدخالها في برنامج «الجرعات الكيماوية». وهي سبع جرعات، بين كل واحدة وأخرى 22 يوماً. وبعد الانتهاء منها قرر الأطباء إخضاعها لجلسات كهرباء، كانت مدتها ربع ساعة. وتضيف :«كانت مؤلمة، وفي كل جلسة كهرباء وكيماوي يطلب مني الأطباء الدعاء لهم في ظهر الغيب. وكنت أدعو لهم، وما زلت حتى هذا اليوم». وتتذكر مرة قبل دخولها غرفة العمليات «جاءتني في المنام أم زوجي. وكانت تقرأ القرآن. وفي ذلك اليوم، وبعد ثلاث سنوات من المرض وهمومه، جاء يوم وكنت أتحدث مع الطبيب في العيادة. وقال لي بالحرف الواحد تم إغلاق ملفك في المستشفى، وأنت سليمة والحمد لله. وتستطيعين الخروج من المستشفى وعدم العودة إلى هنا». انهمرت دموع أم محمد وبكت كثيراً من الفرح، وسجدت لله شكراً. وتلقت أم محمد «هدية قيمة» في موسم الحج هذا العام، وهي «تكفل جمعية زهرة لسرطان الثدي في الأحساء، بكلفة رحلة الحج مع ابني. فكانت الفرحة فرحتان. ونسأل الله أن يجزي من تبرع بهذا المبلغ، وأن يشفي مرضى المسلمين. وأن يحفظ بلادنا التي وفرت العلاج المجاني لأبنائها المواطنين». وتخص بالشكر نسرين الحماد، وسارة بودي في جمعية «زهرة»، مضيفة «وقف زوجي وأبنائي وأسرتي معي، وكانوا معي في كل لحظة. وشجعوني كثيراً على مواصلة العلاج، حتى آخر المطاف». إلى ذلك، أطلقت جمعية زهرة لسرطان الثدي، أول من أمس، 50 ألف بالونة في سماء الأحساء. ونوهت رئيسة الجمعية نسرين الحماد إلى أن الهدف من ذلك «بث روح الأمل والتفاؤل بين المرضى، ومشاركة المجتمع في هذا الجانب». وأضافت: «إن الجمعية تخطو خطاً ثابتة في مسيرتها القصيرة عمراً، والكبيرة في الأهداف». وأكدت الحماد أن «البيت الصغير» المقام في مجمع «العثيم مول»، أصبح كبيراً بمحتوياته، وبعدد زواره من النساء خلال الفترة المسائية. ونحن نرحب بالجميع، ونهيب بالنساء ضرورة الكشف المبكر من سرطان الثدي، حتى تتأكد كل سيدة من صحتها، وتستطيع أن تحمي نفسها من هذا المرض». ودشن مدير الشؤون الصحية في الأحساء الدكتور عبدالمحسن الملحم، حملة «البيت الوردي». بدوره، قال المدير الطبي في جمعية السرطان الخيرية الدكتور عمر بايمين: «إن سرطان الثدي يعتبر من أكثر السرطانات انتشاراً على مستوى المملكة حيث يمثل 13 في المئة من جميع السرطانات، ونسبة 26 في المئة عند النساء. وهذه النسبة قابلة للزيادة سنوياً، إذ كانت النسبة في المنطقة الشرقية لعام 2007، تصل إلى 26 امرأة من كل 100 ألف سيدة. وفي 2010، ارتفعت إلى 31 امرأة من كل 100 ألف. وهي أعلى مستوى في المملكة». وأضاف بايمين: «عندما ننظر إلى المراحل التي تم فيها اكتشاف المرض؛ نجد أن أكثر المراحل هي بين الثانية والثالثة، والتي يتعرض المريض خلالها إلى جراحات وعلاج بالأدوية الكيماوية والإشعاعية، وما يصاحب ذلك من آثار جانبية عضوية ونفسية، قد تصل بهم إلى الوفاة. وكان السبيل إلى تقليل هذه المخاطر هو اكتشاف المرض في مراحله المبكرة جداً، والتي تصل فيه نسبة الشفاء إلى أكثر من 97 في المئة. وهذا لا يتم إلا بزيادة الوعي لدى المجتمع، بأهمية الكشف المبكر». وذكر أن «إدارة الكشف المبكر عن الأورام في «صحة الأحساء» دأبت خلال الأعوام الماضية، على إقامة برامج توعوية على مستوى المحافظة، شملت المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمدارس والجمعيات الخيرية، والمجمعات التجارية وغيرها، مما كان له الأثر الواضح في زيادة الوعي لدى المجتمع، بأهمية الكشف المبكر، بدليل ارتفاع نسبة الإقبال على عيادات الكشف المبكر من سرطان الثدي، التي تم افتتاحها 1430ه في مستشفيات الملك فهد بالهفوف، والأمير سعود بن جلوي بالمبرز، ومستشفى الولادة والأطفال، ومستشفى العيون. إذ بلغ عدد المراجعات لعام 1430ه، 218. بينما ارتفع العدد في 1434ه، إلى أكثر من 4500 مراجعة. وما هذه الزيادة المرتفعة إلا دليل على زيادة وعي المجتمع».