دفع الزخم الذي كسبته الدعوات إلى تظاهرات حاشدة في 30 حزيران (يونيو) الجاري للمطالبة برحيل الرئيس المصري محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، جماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي إليها الرئيس إلى التقارب من قوى أصولية طالما سعت الجماعة إلى النأي بنفسها عنها منذ تولي مرسي السلطة لإظهار نفسها على أنها وجه ل «الإسلام المعتدل» المنفتح على التيارات كافة. وبعدما ظل الأصوليون يشكون بعد أشهر من تنصيب مرسي تهميشهم في لقاءات الرئاسة وعدم الاعتداد بترشيحاتهم في الوزارات والمناصب القيادية، لوحظ في الأسابيع الماضية حضور لافت لهم في المشهد السياسي، وكثفت الرئاسة دعوتهم لحضور لقاءات الرئيس ومشاورتهم في قضايا تمس الأمن القومي، كبناء إثيوبيا «سد النهضة» وأيضاً تعامل مصر مع الأزمة السورية، ووطئت للمرة الأولى أقدام «جهاديين» قصر الرئاسة. وفي حركة المحافظين الأخيرة عُين القيادي في الجماعة الإسلامية عادل الخياط محافظاً للأقصر. وفسر الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي تقارب النظام مع القوى الأكثر تشدداً بأنها «تعكس في جانب منها محاولة احتواء، لكن في الجانب الأكبر هي مسألة شراء ولاءات لنظام الإخوان». وقال ل «الحياة» إن «تعيين محافظ من الجماعة الإسلامية والتواصل مع الأصوليين أكثر من أي قوى إسلامية أخرى يحمل هدفاً سياسياً بالأساس تقف وراءه احتمالات حدوث مواجهات في البلاد خلال تظاهرات نهاية الشهر». وأضاف: «لا يخفى على أحد أن هناك مخاوف من اندلاع عنف بين الفرقاء السياسيين في 30 حزيران (يونيو)، وبالتالي يسعى الإخوان إلى الاحتماء بفصائل أخرى، فمثلاً الجماعة الإسلامية مارست العنف ويمكن أن تتورط في عنف جديد ضد القوى المعارضة لمرسي، ومن ثم يسعى الإخوان إلى ضمان ولائها والتأكد من دفاعها عن النظام حتى لو بالعنف، عبر تحقيق مكاسب للجماعة من استمرار هذا النظام». وأوضح أن «الإخوان لا يريدون الظهور على أنهم راغبون في ممارسة العنف وبالتالي يبحثون عن فصيل آخر يخوض في هذا المجال بالوكالة... هم يختبئون خلف هذه الجماعات». لكن المستشار السياسي لحزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، أسامة رشدي يرفض تلك الفرضية على اعتبار أنه «لا حظر على أي اتجاه أو تيار سياسي». وقال رشدي ل «الحياة» إن «المعارضة المدنية هي التي ترفض المشاركة في الحوار، وتفسير لقاءات الرئيس مع قوي إسلامية أتحفظ على تسميتها أصولية على أنه تقارب أراه غير دقيق، لأن هذا التكثيف في اللقاءات أمر يعود إلى المناسبات والمشاكل التي تواجه البلد، مثل السد الإثيوبي وقضية سورية فضلاً عن الأجندة المطروحة في الساحة السياسة». وأضاف رشدي، وهو عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان وكان قضى أكثر من 20 سنة خارج مصر بسبب المطاردة الأمنية، أن «موقف البناء والتنمية ليس انتهازياً ولا يُقايض الحكم... نحن لا نريد أي ميزة، بل على العكس لنا طلبات لم يتم التجاوب معها حتى الآن، وفي تعيينات مجلس الشورى الأخيرة تنازلنا ومع ذلك لم نرد أن نثير أي نوع من الاحتجاج، ودائماً نعمل على تغليب المصلحة العامة وليس مقايضة مواقفنا». وشدد على أن الحزب والجماعة «ليس في واردهما بيع المواقف بمنصب هنا أو هناك، فقط لا نريد أن تراق قطرة دم واحدة». وأوضح: «لو وصل أي طرف إلى السلطة بالصندوق سندعمه، فقط نطالب باحترام التفويض الشعبي... هناك رئيس منتخب وقوى معارضة تريد قلب الطاولة وأن تفرض خيارها بالقوة، ونحن لدينا أجندة سياسية لانتخاب مجلس نواب وحكومة جديدين، وهم اختصاصيون في هدم ما تم بناؤه، هذه القوى لا تريد أن ترى الإسلاميين في المشهد السياسي، ونقول إن عدم الاحتكام إلى الآليات الديموقراطية في حسم الخلافات السياسية يجعل حسم الخلافات بطريقة أخرى تحمل خطورة بالغة على البلاد وهم يتحملون النتيجة أمام الله وأمام التاريخ». وأكد أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية «ليست كلها متفقة مع الإخوان، ونحن أيضاً لدينا تحفظات ومطالب لم تتحقق، ولو حدثت انتخابات ستخوضها الجماعة الإسلامية ضد الرئيس، نحن ندعم الشرعية، ولسنا أناساً معصوبي الأعين نسير خلف الإخوان... لسنا بصدد الاصطفاف خلف مرسي من دون رؤية كونه من الإخوان، لكن نقول إن الرغبة في هدم كل المؤسسات تضر بمصر ويمكن أن تؤدي إلى الانزلاق في هوة العنف حين يصر طرف على أن يفرض رأيه بالفوضى». أما ناجح إبراهيم الذي قاد «الجماعة الإسلامية» في سنوات ما بعد المراجعات وأنسلخ منها بعد «ثورة 25 يناير» فوقف على مسافة وسط بين الشوبكي ورشدي، فهو يرى أن «التيارات الأصولية تؤيد مرسي عن قناعة دينية أو أيديولوجية وليس لمصلحة، وهم يدركون أنهم قد لا يأخذون منه شيئاً، لكن الإخوان يتقربون منهم لمصلحة». وقال ل «الحياة»: «أرى التقارب الحاصل الآن أمراً طبيعياً، هم الظهير الوحيد الباقي للإخوان بعدما تحولت القوى المدنية والثورية من حليف للإخوان إلى خصم ثم عدو والآن عدو شرس، ووصل الصراع بين الطرفين إلى درجة لا يتصورها أحد»، لافتاً إلى أن «القوى الإسلامية بتياراتها المختلفة هي التي تستطيع الحشد للإخوان من خلال منابر عدة أولها المساجد، لتقف في وجه القوى المدنية خصوصاً في المناطق التي لا يتواجد فيها التيار المدني مثل الصعيد». وأضاف أن «الحركات الإسلامية تجد أن القوى المدنية خصم لها لأنها تضم تيارات يسارية ويمينية متطرفة، وهناك قناعة بأن هذه القوى إذا وصلت إلى الحكم ستزج بالإسلاميين في السجون وتُضيق على الدعوة، ومن ثم هم يجدون مصلحتهم مع الإخوان الذين يعتبرون أقرب إلى الأصوليين من القوى المدنية بحكم البعد الأيديولوجي». لكن إبراهيم حذر من خطورة هذا الاصطفاف على مستقبل البلاد. وقال: «خطورة هذا التكتيك أنه يزيد من تقسيم الوطن على أساس أيديولوجي، وسنرى في الأيام المقبلة استقطاباً حاداً... الإسلاميون قد يفيدون الرئيس في الحشد والانتخابات لكن الوطن الموحد يُفيد في المشاكل الخارجية».