تؤكد التصريحات المتواترة في الأسابيع الأخيرة لوزراء كبار في الحكومة الإسرائيلية أن هذه الحكومة ليست في وارد التعاطي بجدية مع الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإحياء عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، إنما بات بعضهم يعلن على الملأ أن مصير هذه الجهود هو الفشل حيال رفض إسرائيل فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة حتى بالشروط التي يضعها رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو. وبعد يومين فقط على تصريح وزير الدفاع موشيه يعالون في واشنطن بأن المبادرة العربية للسلام ليست سوى «أحبولة إعلامية» وأن جهود كيري «فشلت حتى الآن»، وقبله تأكيد نائبه داني دانون أن الحكومة تعارض حل الدولتين وتبذل جل جهودها من أجل صد محاولة إقامة دولة فلسطينية وأن الحل للفلسطينيين «سيكون في الأردن»، جاء دور زعيم حزب «البيت اليهودي» اليميني - الديني المتطرف ممثل المستوطنين في الحكومة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت ليقول من دون مواربة إن «محاولات إقامة دولة فلسطينية قد انتهت بعد أن وصلت إلى طريق مسدودة» وبأنها كانت محاولات «عديمة الجدوى»، مضيفاً أن «لا حق للفلسطينيين في تقرير مصيرهم ولا في دولة لهم بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط». وقال بينيت أمس، في مؤتمر الإعلام لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، إن فكرة أن تقوم دولة فلسطينية داخل أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية) وصلت لطريق مسدود، مضيفاً أنه «في تاريخ إسرائيل لم يحصل أن انشغل عدد هائل من الأشخاص وصرفوا طاقات في موضوع عديم الجدوى»، داعياً إلى الانتقال «من مرحلة إقناع العالم» بأن هذه الفكرة مغلوطة إلى «مرحلة تكون فيها هذه الفكرة من ورائنا». واعتبر بينيت، الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مثل «الشظية في مؤخرة إسرائيل»، وقال: «لديّ صديق يعاني من وجود شظية في مؤخرته وقد أبلغه الأطباء بأنه يمكن إجراء عملية جراحية لإخراجها لكنه سيبقى معاقاً.. وقد قرر أن يواصل العيش معها.. ثمة وضع يمكن أن يسبب الطموح للكمال ضرراً أكبر من الفائدة». وتابع «إن من يجول اليوم في أنحاء «يهودا والسامرة» (الضفة الغربية) يدرك أن ما دار في أروقة أوسلو وأنابوليس ليس له صلة بالواقع. فهناك اليوم 400 ألف إسرائيلي (مستوطن) مواطن في يهودا والسامرة بالإضافة إلى 250 ألفاً في (مستوطنات) القدسالشرقية (المحتلة) أي أن أكثر من 10 في المئة من الإسرائيليين يعيشون في ما يسمى الخط الأخضر. وعليه فإن محاولة إقامة دولة فلسطينية داخل أرضنا انتهت». وتابع أنه يجب مواصلة تكثيف البناء في «يهودا والسامرة». وغمز من قناة مؤيدي إقامة الدولة الفلسطينية بالقول إنه لو صرفت الأموال التي أغدقت على الحفلات والمؤتمرات التي ناقشت إقامة دولة فلسطينية على بناء شوارع وطرق «لكان الوضع مغايراً اليوم». ورد بينيت على تصريحات سابقة لوزير العلوم رئيس كتلة حزب «يش عتيد» عوفر شيلح بأن «الاحتلال يفسد المجتمع الإسرائيلي والجيش والعدالة والإعلام والوعي الإسرائيلي»، وأن إسرائيل تسير نحو نظام الفصل العنصري (ابرتايد) الذي ساد جنوب أفريقيا، مستهجناً وقال: «أين الاحتلال؟ كيف يمكن أن تحتل بيتك؟ نحن سكان هذه الأرض». وأضاف إن الشيء الأهم الذي يجب القيام به «هو البناء ثم البناء. لأنه يجب أن يكون وجود إسرائيلي في كل مكان». ورأى أن المشكلة كمنت حتى الآن في عدم استعداد قادة إسرائيل للقول «بشكل صريح وبكل بساطة إن أرض إسرائيل تابعة لشعب إسرائيل». وأضاف: «يجب علينا أن نغيّر الأسطوانة ونقول لكل العالم إن هذه الأرض لنا منذ 3000 سنة... ولم تكن هنا ذات مرة دولة فلسطينية، ولم نكن ذات مرة محتلّين. هذا بيتنا ونحن سكان هذا البيت». وتؤشر هذه المواقف إلى أن ثمة غالبية داخل الحكومة الحالية ترفض فكرة «حل الدولتين» التي أعلن نتانياهو قبل أربع سنوات قبولها من دون أن يخطو خطوة عملية واحدة نحو تطبيقها، ومن دون تضمين الخطوط العريضة لحكومته هذا الحل حيال معارضة «البيت اليهودي» وغالبية نواب حزبه «ليكود بيتنا» ذلك. وكان دانون قال قبل أسبوعين إن ثمة غالبية داخل الحكومة تعارض حل الدولتين، مضيفاً أن نتانياهو يؤيد المفاوضات مع الفلسطينيين «لإدراكه بأن إسرائيل لن تتوصل ذات يوم إلى اتفاق مع الفلسطينيين». ولقي هذا الموقف شبه تنصل من نتانياهو حين أعلن في اليوم التالي أنه ما زال يؤيد حل الدولتين على أساس «تسوية تاريخية، تشمل إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتعترف بيهودية إسرائيل مع ترتيبات أمنية متشددة تضعها إسرائيل». وحاول نائب وزير الخارجية زئيف ألكين تخفيف حدة هذه التصريحات بالقول إنها لا تعكس موقف نتانياهو «تماماً مثلما لا تعكس مواقف وزيرة القضاء تسيبي ليفني موقف رئيس الحكومة». وندد وزير العلوم يعقوف بيري («يش عتيد») بتصريحات بينيت واعتبر أنها «تمس بنسيج العلاقات الحساس وبمحاولات بناء الثقة بيننا وبين الفلسطينيين». وأضاف في بيان أصدره أن مثل هذه التصريحات تسيء لجهود السلام، «وإقامة دولة فلسطينية هي مصلحة إسرائيلية وجودية. وفكرة حل الدولتين هي الحل الوحيد الذي يحول دون أن تكون هنا دولة ثنائية القومية تقضي على الصهيونية». ودعت حركة «سلام الآن» اليسارية حزب «يش عتيد» إلى الخروج من الائتلاف الحكومي «والوفاء بوعده بأنه لن يكون شريكاً في حكومة لا تحرك العملية التفاوضية»، وأضافت أن «تصريحات بينيت تمثل بدقة نيات الحكومة ويجب أخذها على محمل الجد».