«لا أستطيع العيش بضمير خيّر إذا سمحتُ لحكومة الولاياتالمتحدة بتدمير الخصوصيّة، وحريّة الانترنت، والحريّات الأساسيّة للشعوب عالميّاً، عبر هذه الآلة التي تُبنى بسريّة مطبقة». لمن تصلح هذه الكلمات؟ ربما لمتمرّد متمرّس أو مفكّر ملتزم واسع الإحساس بالمسؤوليّة، أو سياسي ناشط على طريقة المناضل الأرجنتيني الشهير أرنستو تشي غيفارا المنخرط في حلم ثورة حريّة عالميّة. إنها كلمات يقارن فيها شخص مفرد نفسه بسلطات القوة العظمى شبه المفردة كونيّاً، بل إنه يرى في شخصه مدافعاً عن شعوب عبر الكرة الأرضية كلها، فكأنه غيفارا الثورة العالميّة في صيغة كتيبه الشهير «فيتنام، فيتنامان، فيتنامات عدّة». لكن لا! ليس هذا هو الحال. أبعد عن هذه الخيالات كلها هي صورة إدوارد سنودِن الذي فجّر فضيحة برنامج التجسّس «بريزم». يعمل سنودِن (وعمره 30 سنة) في المعلوماتية، بل إنه موظف في شركة معلوماتية يصل راتبه الى مئتي ألف دولار سنويّاً. يفترض أنه يرفل في نعمة الهبة اليومية للمعلوماتية ومجتمعاتها وشركاتها القويّة، المرتاحة الى تشابكاتها مع البلد الذي صنع المعلوماتية وشبكاتها ورسم أزمانها. ما الذي دهاه؟ لماذا يتمرّد سنودِن؟ لماذا اندفع إلى عقله أنه مسؤول عن الحريّة في العالم بأسره؟ لماذا لم تكن هذه الفكرة مجرد «حسرة» في الخيال، وما الذي جعله يهدم حياته كليّاً ليخوض حرباً ملحميّة ضد بلده الأقوى في الكرة الأرضيّة، بل إنه تطوّع لمهمة لا تذكر إلا بالمعجزات الأسطوريّة التي فرضتها الآلهة على هرقل في الميثولوجيا اليونانيّة القديمة؟ في عددها للأسبوع الثاني من الشهر الجاري، خصصت مجلة «تايم» الأميركية محوراً لرصد ظاهرة «جيل الألفية» Millenials الأميركي، الذي ولد في قلب عصر المعلوماتية. ولاحق المحور ملامح شخصية وسوسيولوجية شتى في هذا الجيل. ولاحظت أنه جيل نهم للمتع، ميال للتفاخر، مشوش ومتخالط وأحياناً مُسطّح، لكنه فائق الصدق في مسألة الحريّة، بل إنه يتعامل معها عالميّاً وكأنها أمر شخصي تماماً. ربما أن من راقب الطريقة التي تفاعلت بها مجموعة «أنونيموس» Anonymous مع تحركات الشعوب العربيّة الأخيرة، لمس شيئاً من الملامح المميّزة لجيل شاب جديد، يتحدى بعفوية وبلا ادعاء، الكثير من التنميطات الشائعة والأفكار الثقافية الراكدة، عن معنى أن تكون شاباً في عصر المعلوماتية والشبكات الإلكترونيّة التي تشرنق الأرض، فتربط مصائر، وتولّد أنماطاً على نحو يتطلب الجرأة في الرؤية والرصد، وجرأة أشد في التفكير.