أكد الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن أمس التزامه بالمضي قدماً في إجراء إصلاحات ديموقراطية واسعة، لكنه هاجم ما سماها «فئة قليلة تحاول الصيد بالماء العكر، وإشاعة الفوضى»، مؤكداً قدرة بلاده اتخاذ الإجراءات كافة «إذا ما شكل الوضع السوري خطراً على الشعب الأردني ومصالحه»، معتبراً أن الحديث عن طروحات تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين «مجرد أوهام». وقال الملك الأردني في خطاب متلفز خلال حفل تخريج جامعة مؤتة (الجناح العسكري) إن الأردن «يواجه تحديات عديدة، يشعر معها المواطن بالقلق، وربما التساؤل في خصوص كيفية التعامل معها، ومعالجتها بشكل صحيح». وأضاف الملك الذي ظهر مرتدياً بزة عسكرية، وإلى جانبه ولي عهده الشاب الأمير حسين وعدد من الأمراء والمسؤولين «يحاول البعض التشكيك بمدى نجاح مسيرة الإصلاح السياسي، نتيجة عدم الاستيعاب وسوء التفسير، لما يرافق عملية التحول الديموقراطي من قلق وجدال ومناكفات (...)» في انتقاد غير مباشر إلى جماعة «الإخوان المسلمين» كبرى الجماعات المعارضة في البلاد. وقال: «المهم أن نواصل العملية الإصلاحية، ونبني عليها، من دون خوف أو تردد. فإرادة التغيير الإيجابي موجودة وراسخة، وعندنا المؤسسات الوطنية القادرة على ترجمة هذا التغيير إلى أفعال». ووافق الملك على تعديلات دستورية في آب (أغسطس) العام الماضي، نقلت بعض سلطاته إلى البرلمان، ومهدت الطريق أمام تعيين رئيس وزراء يختاره المشرعون، بدل أن يختاره القصر. وقال الملك إن خريطة الإصلاح السياسي «واضحة، وتتمثل بإنجاز المحطات الديموقراطية والإصلاحية الضرورية، للوصول إلى حال متقدمة من الحكومات البرلمانية، على مدى الدورات النيابية المقبلة، والقائمة على غالبية برلمانية حزبية وبرامجية، يوازيها أقلية تشكل معارضة بناءة، وتعمل بمفهوم حكومة الظل داخل مجلس النواب». وتم انتخاب البرلمان الحالي بموجب قانون يضمن وجود مجلس يفتقر إلى القوى السياسية أو المنظمة، وقد دعا الملك قبل أشهر المشرعين إلى تعديله. وعبرت قوى معارضة عن خيبة أملها إزاء «التعديلات المحدودة» التي طرأت على القانون، وأعلنت مقاطعتها الانتخابات. وقال الملك إن دور الملكية «سيتطور بالتوازي مع إنجاز محطات إصلاحية عديدة، لتركّز على حماية قيم الديموقراطية، والتعددية، والمشاركة السياسية، وحماية وحدة النسيج الاجتماعي»، متعهداً بأن يبقى «الضامن لمسيرة الإصلاح». وتطرق عاهل الأردن إلى أعمال العنف الواسعة التي شهدتها مدن الأطراف والأقاليم خلال الفترة الماضية إلى جانب بعض الجامعات الحكومية، وقال إن أحداث العنف التي طاولت الأرواح والممتلكات العامة والخاصة «أمر غير مقبول وغير مبرر على الإطلاق، وهو غريب على قيمنا وعاداتنا، ولا يمكن السكوت عليه». واعتبر أن «الشعور بغياب العدالة وعدم تكافؤ الفرص يؤدي إلى الإحباط والشعور بالظلم، وبالتالي يؤدي إلى العنف»، لافتاً إلى أن الحل يمكن «في تحقيق العدالة، وتوزيع مكتسبات التنمية على كل المحافظات، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، وترسيخ الحاكمية الرشيدة للدولة». ورفض العاهل الأردني مزاعم «تدعي بأن مظاهر العنف سببها الثقافة أو البنية العشائرية»، موضحاً ان «ثقافتنا وبنيتنا العشائرية الأصيلة لا تقبل العنف، ونحن كلنا أبناء عشائر، وأنا عبدالله ابن الحسين أعتز بالعشائر الأردنية، لأنهم أهلي وعشيرتي الكبيرة». وأشار إلى أن هناك «فئة قليلة تحاول الصيد بالماء العكر، وإشاعة الفوضى، واستغلال أجواء الانفتاح والحرية، وتعتقد أن المرونة والحكمة والصبر التي تعاملت بها بعض مؤسسات الدولة خلال المرحلة الماضية، هي نوع من الضعف»، مستدركاً أن الأردن «قوي وقادر على حماية أرواح وممتلكات أبنائه، وقادر في أي لحظة على فرض سيادة القانون، ولا يوجد أحد أقوى من الدولة». وعن الأزمة السورية وانعكاساتها على الأردن، قال إن ما يجري هناك «فرض علينا معطيات صعبة جداً، لكنها أصعب بكثير على الأشقاء السوريين، خصوصاً الذين أجبرتهم الظروف على ترك بيوتهم وأرضهم ونزحوا إلى دول الجوار». واستطرد قائلاً «في كل تعاملنا مع الأزمة السورية، كانت حماية مصالح الأردن وشعبنا العزيز هدفنا الأول والأخير. أما إذا لم يتحرك العالم ويساعدنا كما يجب، أو إذا أصبح هذا الموضوع يشكل خطراً على بلدنا، فنحن قادرون في أية لحظة على اتخاذ الإجراءات التي تحمي مملكتنا ومصالح شعبنا». وأرهق الاقتصاد الأردني الذي يعاني أزمة بفيض اللاجئين السوريين الهاربين من حرب أهلية في بلادهم منذ أكثر من سنتين. وفي الشأن الفلسطيني، أكد عبدالله الثاني أن بلاده «ستستمر بدعم الفلسطينيين حتى يقيموا دولتهم المستقلة»، وقال إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا المحورية، لكن ما نسمعه في بعض الأحيان عن الكونفيديرالية أو غيرها، هو حديث في غير مكانه ولا زمانه، ولن يكون هذا الموضوع مطروحاً للنقاش، إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تماماً، وبإرادة الشعبين والدولتين». وأضاف: «أما الحديث عن الوطن البديل أو التوطين أو الخيار الأردني، الذي تحدثنا عنه كثيراً، فهو مجرد أوهام، والأردن لن يقبل تحت أي ظرف أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن». وتابع: «نريد أن نتخلص من هذه الإشاعات، وإن شاء الله هذه آخر مرة أتحدث فيها عن هذا الموضوع». وأكد العاهل الأردني مراراً رفض بلاده طروحات الوطن البديل التي تدعو إلى جعل المملكة التي يشكل الأردنيون من أصول فلسطينية نحو نصف سكانها، وطناً بديلاً للفلسطينيين.