هناك ملاحظة مهمة تطفو على السطح في ظل الاستعدادات المكثفة لتظاهرات 30 الجاري في مصر، وهي أن حال الاستقطاب السياسي الشديد دفعت النخبة السياسية والثقافية في هذا البلد إلى تجاهل التداعيات الكارثية التي ستتمخض عن ذلك اليوم، فالشارع السياسي المصري يشهد في تلك الآونة صعوداً مدوياً للنزعة الفاشية، تعكسه مواقف القوى السياسية المتصارعة في داخله، فالقوى الإسلامية تهدد بسيناريو دموي إذا ما أصرت القوى المدنية والثورية على خلع الرئيس وتشكيل مجلس رئاسي مدني. وفي مقابل ذلك، فإن القوى المدنية والثورية ممثلة في «جبهة الإنقاذ» استهجنت لقاء خيرت الشاطر وعمرو موسى لتقريب وجهات النظر، متهمة جماعة الإخوان بمحاولة شق الصف داخل الجبهة. كما أن المثقفين المعتصمين في مكتب وزير الثقافة المقرب من «الإخوان» اعتدوا على مناصريه، إضافة إلى الصدامات التي اندلعت في بعض المدن المصرية بين مؤيدي ومعارضي الإخوان قبل أسبوعين من تظاهرات 30 حزيران (يونيو)، فتلك المواقف والأحداث تؤكد في مجملها رفض الطرفين مبدأ الحوار والاعتماد تماماً على العنف أسلوباً وحيداً لحل ما بينهما من نزاع. ولعل أبرز تداعيات تلك الحال الفاشية هي أفول نموذج الدولة الأمة في مصر، إذ برز هذا النموذج الذي يروم بناء دولة جديدة تخالف نموذجي دولة المدينة في اليونان القديمة والدولة الإمبراطورية في روما منطلقاً من تعبير تلك الدولة الجديدة عن هوية كل مجموعة سكانية منسجمة لغوياً وعرقياً وثقافياً ويضمها إقليم جغرافي واحد لتحقيق أغراض أساسية عدة، وهي إنهاء عهود التسلط واحتفاظ كل أمة بحقها في الاستقلال وتحويل الشعوب من رعايا للسلطان أو الملك أو الإمبراطور إلى مواطنين في ظل نظم دستورية ديموقراطية. لذلك فإن حال الصراع السياسي والتمزق الثقافي والحضاري ما بين الإسلاميين وخصومهم وتسلط وتعنت السلطة الحاكمة وانهيار الشرعية الدستورية والقانونية في البلد، هي أمور تعني إجمالاً أفول مفهوم الدولة الأمة. وهو أفول سيتحول إلى انهيار، حال وقوع أعمال عنف متوقعة بين الإخوان وخصومهم يوم 30 الجاري، لأن هذا العنف الدموي سيضع البلاد بين ثلاثة خيارات كارثية ومروعة: الخيار الأول يتمثل في دوران عجلة الفوضى السياسية من خلال محاولة «الإخوان» إطاحة الكيان السياسي الذي ستتمخض عنه انتفاضة 30 يونيو، إذا نجحت في خلع الرئيس. والخيار الثاني هو اندلاع حرب أهلية بين أنصار السلطة والمعارضة، وخصوصاً في ظل تصعيد الإسلاميين من وتيرة الاحتقان الطائفي على خلفية تلك الاحتجاجات بتحذيرهم الأقباط من تداعيات مشاركتهم فيها. أما الخيار الثالث فهو لجوء «الإخوان» ومناصريهم إلى سيناريو الفوضى والاغتيالات السياسية لرموز المعارضة واقتحام السجون وحرق مؤسسات الدولة كما حدث أثناء ثورة يناير. وهي خيارات ستكون نتيجتها الحتمية انهيار نموذج الدولة الأمة في مصر، ووقوع البلد في قبضة الفاشية الدينية، أو الثورية أو العسكرية لفترة زمنية طويلة. * كاتب مصري