ليس غريباً مع اقتراب موسم الدراما التلفزيونية العربية في رمضان أن نتذكر أحد أبرز كتّابها، الراحل أسامة أنور عكاشة. هذه الأيام تعرض إحدى قنوات الدراما المتخصصة عمله الأشهر «ليالي الحلمية» ومعه نعود إلى مقولة نعتقد أنها لا تزال الأبرز والأكثر حضوراً في أي حديث عن الدراما العربية وآفاق تطورها: «الرواية التلفزيونية». أسامة أنور عكاشة هو من أرسى هذا الفن الجميل، فمنذ أعماله الأولى أخذ الدراما نحو معالجات تتجاوز «الحكاية» بما هي قصٌ أحادي، إلى عوالم فنية درامية بخطوط متعددة، متشابكة وتمتد على مساحات زمنية طويلة. المسألة هنا تتعلّق أيضاً بالشخصيات التي أصبحت مع عكاشة غنية وذات أبعاد خلافاً لما عرفته الدراما قبل ذلك من شخصيات أحادية لها ملامح الخير وحده أو الشر وحده. جاء عكاشة الى الدراما التلفزيونية من الأدب القصصي والروائي، وهو من تلك «الخبرة» حمل رؤيته لما يمكن أن تحمله الكتابة التلفزيونية من روح الأدب، بل ومن دون مبالغة من اشتراطاته الفنية التي لن تكون في هذه الحال مجرّد إسهامات تقع في الشكل الفني وحسب، بمقدار ما هي أيضاً مضمون يلامس ما هو عميق في حياتنا من موضوعات تاريخية أو راهنة. لعلّنا هنا نتذكر أعماله الأولى «أنا وأنت وبابا في المشمش»، «الشهد والدموع»، «الراية البيضا»، وفيها برع الكاتب الراحل في استقصاء روح الزمن الروائي لأعماله، وبرع أكثر في معالجته «الديموقراطية» لأبطال أعماله الذين رأيناهم «أحراراً» يعبّرون عن أنفسهم بطلاقة لم تتوافر لهم في أعمال أي كاتب آخر. تحتاج الدراما التلفزيونية العربية اليوم الى أن تكمل ما أسّسه أسامة أنور عكاشة، خصوصاً احترام هذا الفن البصري الجميل باعتباره فناً مستقلاً له ملامحه وشخصيته وحضوره وليس «سينما من الدرجة الثانية» كما رآه البعض. هنا بالذات تأخذ مقولته عن «الرواية التلفزيونية» مكانها وموقعها في قلب الكتابة الدرامية، لا باعتبارها سمة لكاتب محدد ولكن باعتبارها شرطاً حيوياً لانتشال الدراما من سطحيتها وأحاديتها، ومن أجل جعلها حقاً فناً بصرياً يليق بموضوعاتها وجمالياتها وبكل هذا العشق الذي يحمله المشاهدون لها.