من جماليات مدينة مثل دبي أنها لا تتركك لانطباعات شخصية وأنت تبني حولها حكماً، فهي تزوّدك دائماً بالأرقام كي تقطع عليك حبل الشك بأنك وقعت في انجذاب عاطفي قد يصفه مَن حولَك بأنه محاباة أو تكسّب، هذا ما لمسته وأنا أقف في كل مرة مع إنجاز إماراتي ينحاز للإنسان وللمعرفة. ففي تجربة مثل «مترو دبي» على سبيل المثال، وهي أول تجربة في النقل الحديث تدخل المنطقة العربية، تقدَّم لك أرقامٌ بأن عدد ركاب مترو دبي وصل في ثلاثة أشهر فقط من العام الحالي إلى ما يزيد على 33 مليون راكب، مكذبة تلك الحيل الذهنية المحبطة التي حذرت من أن المترو لا ينجح في بيئة خليجية مرفهة. لديّ أمثلة كثيرة، لكني سأدعها لآخذ بأرقام مذهلة قدّمها الشيخ محمد بن راشد في سيرة إنجاز اقتضتها منافسة دولة الإمارات لاستضافة معرض إكسبو 2020، ولو فازت به لأصبحت مؤهلة لاستضافة 25 مليون إنسان خلال ستة أشهر في دبي، واستضافة أبرز ما وصل إليه العقل البشري في ما أنجز وما يمكن أن ينجز في مجالات عدة، ليس مثل النقل والطاقة والماء. في هذه السيرة جاء أن «الناتج الإجمالي لدولة الإمارات تضاعف أكثر من 190 مرة خلال 40 عاماً فقط، وأنهم انتقلوا من دولة لا تمتلك أي جامعة إلى دولة تضم أكثر من 70 جامعة، ومن دولة تضم موانئ صغيرة للغوص والصيد إلى دولة تتعامل موانئها مع أكثر من 100 حاوية في كل دقيقة، ويمر عبر مطاراتها أكثر من 80 مليون مسافر سنوياً. ومن دولة لم تكن تعرف التنظيمات الحكومية الحديثة إلى الدولة التي تتبوأ المركز الأول على مستوى العالم في الكفاءة الحكومية، وفق تقرير «المعهد الدولي للتنمية الإدارية»، إضافة إلى أن دبي فيها أكبر شبكة مترو في العالم تعمل من غير سائق، وثالث أكبر شركة طيران عالمية، وقد تطورت حكومتها كإحدى أفضل الحكومات الإلكترونية في العالم، وبدأت في الانتقال إلى عصر الحكومة الذكية». قائمة الإنجاز كانت طويلة، لا تتسع لها مقالة، لكنها في النهاية مفخرة تعتمد على منهج نادر اسمه «ليس الفتى من قال كان أبي بل الفتى من قال ها أنذا». ولو فازت دبي باستضافة معرض إكسبو 2020 فإننا كلنا نفوز، لأن الإمارات ستنجح في البرهنة على أن منطقتنا ليست منطقة نزاع وحروب، بل منطقة انفتاح ثقافي وتعايش يتحقق في دبي، وفي تجربة كالإمارات التي لا تطمح إلى مغامرات سياسية كبرى، لكنها لا تتوارى في الظل، بل تتقدم باتجاه العمل والعقل والمعرفة، وتمتلك من التجارب الناجحة ما يجعلنا نقف خلفها، فدبي برهنت أنها هدهد معرفة وليست فقط حمامة سلام. وهذا ما نفتقده في منطقتنا، وفي ظني أن دبي لو استمرت في هذا التطور المعرفي والتقني من دون منغصات، فنحن بصدد امتلاك أندلس عربي جديد. [email protected]