فيما تستعد واشنطن لاستقبال فصل الصيف، وتنصب كل الأفكار على قضاء العطلة مع العائلة، لا شك في أن الرئيس باراك أوباما كان يود أن يكون قادراً على التركيز على بعض القضايا المهمة التي تواجهها حكومته. فلا شك أن الأزمة السورية خطيرة، وهي تخرج عن السيطرة بشكل ميؤوس منه. فتجاوز الولاياتالمتحدة الحرب على الإرهاب (لاستخدام الوصف الأميركي السخيف)، يشكل هدفاً استراتيجياً، كما هي الحال بالنسبة إلى إعادة تحقيق التوازن في العلاقات بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين، في مجال الأمن في عالم الانترنت- وهو مصدر قلق كبير، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة الأميركية في مجال الطاقة. غير أن ملف معتقل غوانتانامو، الذي يزداد صعوبةً مع مرور السنوات، لا ينفك يعود ليُدرج على جدول أعمال البيت الأبيض، ما يثير غضب الرئيس. وقد عبر اوباما في نيسان (أبريل) الماضي عن مشاعره الصادقة في هذا السياق قائلاً: «لا تحتاج أميركا إلى معتقل غوانتانامو لكي تبقى آمنة، فهو مكلف، وغير فعال، ويضر بسمعتها الدولية». والجدير ذكره أن التكاليف التي تتطلبها إدارة هذا المعتقل قد أصبحت تحظى باهتمام واسع وبشكل مغيظ، ما يمثل عبئاً كبيراً ومبرراً على موازنة البنتاغون الهائلة. وتحاول وزارة المال أن تحقق هدفاً يقتضي وصول قيمة المدخرات إلى 400 بليون دولار. وقد طلب البنتاغون مؤخراً تخصيص مبلغ لا يقل عن 200 مليون دولار لمعتقل غوانتانامو على خلفية أن الإعصار الأخير ألحق أضراراً جسيمة بالمكان الذي يتناول فيه الجنود طعامهم، كما يتطلب مكان إقامة قوات الحرس مزيداً من الاهتمام. وفي هذا الصدد، يشير متحدث باسم البنتاغون إلى برنامج قد يحتاج من 8 إلى 10 سنواتٍ لتنفيذه، وهو يتطلب استقدام عمال من الخارج واستيراد مواد البناء. ويتزامن كل ذلك مع محاولة الرئيس أوباما التي ترمي مبدئياً إلى إغلاق هذا المعتقل. أما طلب التمويل المذكور، فقد تقدم به الجنرال جون كيلي، الذي يترأس القيادة الأميركية الجنوبية، والذي دعم طلبه بحجج مقنعة، فقد تم تأسيس المباني في هذا المعتقل منذ 11 سنةً وإذا كان من المقرر أن تبقى أبوابه مفتوحة، فلا بد من أن يكون آمناً مئة في المئة. ومن الضروري أيضاً تأمين وجبات طعام للحراس الذين يقومون بعمل فظيع، والذي يتطلب إعدادها مبانٍ مريحة ومنظمة بشكل جيد. تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن إدارة معتقل يتميز بحماية أمنية ممتازة، فيما يضم سجناء غاضبين وخطيرين جداً، بتكلفة منخفضة. وفي الوقت الراهن، يتسم موضوع إضراب 103 سجناء من أصل 166 سجيناً عن الطعام في غوانتانامو، بأهمية تفوق بكثير مشكلة الموازنة الحرجة بالنسبة إلى الرئيس الأميركي. واللافت أنه تم إحضار المزيد من الأطباء لكي يقدموا المساعدة اللازمة. وترفض الإدارة أن تناقش موضوع اللجوء إلى اطعام المضربين بشكل قسري. ومن جهته، صرح اوباما بأنه لا يريد أن يموت أي سجين. ولكن لا بد من أن يحصل ذلك. أما تفاصيل هذه الأحداث، فهي أليمة. لقد فقد بعض المضربين عن الطعام نحو 18 كيلوغراماً منذ أن أطلقوا احتجاجهم في شهر شباط (فبراير) الماضي. وقد قال أحد السجناء لمحاميه إن ضباط مكافحة الشغب قد قيدوه، وربطوا يديه ورجليه، وقاموا بحقنه بسوائل بالقوة. ولا بد من طرح السؤال التالي: هل تستمتع بريطانيا بالمأزق الذي وقعت فيه الولاياتالمتحدة الأميركية إزاء هذا الإضراب عن الطعام في معتقل غوانتانامو؟ كلا، على الأرجح. ففي عام 1981، قام 10 سجناء من الحزب الجمهوري الإرلندي في سجن ميز شمال إرلندا، بتجويع أنفسهم حتى الموت، وكان بوبي ساندز على رأسهم. والجدير ذكره هو أن هذه الفترة كانت مقلقة ومروعة، وفي ذلك الوقت، كنت مقتنعاً جداً بأنه يجب ألا تستسلم الحكومة البريطانية أمام المضربين عن الطعام. فلطالما اعتمدت هذه الأخيرة على الأشخاص الذين يتمتعون بتفكير سليم، والذين يقدرون حياة الإنسان، وأذعنت لهم. بينما تجب الإشارة إلى أن هؤلاء الجمهوريين الإرلنديين لم يُظهروا في السابق اي احترام للحياة الإنسانية، ودعموا التعذيب الوحشي والفساد السياسي. وفي ظل تكتم البنتاغون عن الاحتجاجات المتصاعدة في غوانتانامو، تظهر احتجاجات دولية على إطعام 23 سجيناً بواسطة أنابيب عبر الأنف. وكالعادة، ثمة التباس في القانون الدولي حول هذا الموضوع، غير أنه لا يدعم كثيراً الموقف الأميركي. ومن ناحيته، أعلن روبرت كوفيل، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان انه «إذا تم تصنيف هذه الأفعال على أنها تعذيب أو معاملة غير إنسانية، وفي حال كانت موجعة، فهي افعال يحظرها القانون الدولي». في العام 1991، صرحت الجمعية الطبية العالمية أن الإطعام القسري «لم يكن مقبولاً قط من الناحية الأخلاقية». وفي المملكة المتحدة، يحق حالياً لسجين، لا يعاني من اضطراب عقلي، تجويع نفسه حتى الموت. ولا بد من الإعراب عن الشكوك حيال قيام الرئيس أوباما والسياسيين الحاليين في واشنطن بإغلاق هذا المعتقل الذي يتميز بحماية أمنية من الطراز العالي. وقد أفاد الكونغرس أن لدى هؤلاء السجناء الذين لم تتم إدانتهم إطلاقاً، قضية لا بد من معالجتها، في إشارة إلى أنه لا يمكن محاكمتهم امام محكمة مدنية في أميركا. ولا شك في أن ثمة بلداناً عديدة تدافع عن حقوق شرعية وإنسانية معينة، فيما تقوم الولاياتالمتحدة الأميركية بغض النظر عن مبادئها الأصلية، وهي تظهر بذلك صورة سيئة أمام مؤيديها وشركائها. وأخيراً، سيبقى معتقل غوانتانامو الذي يشبه بالمعتقل السوفياتي (الغولاغ) وصمة عارٍ على السياسة الأميركية لمدة لا تقل عن 50 سنة. ولا شك في أن بعض أعضاء الكونغرس قلقون حقاّ حيال ما حصل، ويقدرون الأخطاء المفصلة التي وقعت في غوانتانامو. وربما قد يرغبون بأن يوضحوا بصورة غير علنية أن السياسة في نهاية الأمر هي فن الممكن. * سياسي بريطاني ونائب سابق