ثمة ازدواجية بين أفعال آية الله خامنئي وأقواله. فمن جهة، حاول قدر الإمكان تشجيع 50 مليون ناخب مؤهل للتصويت على الإدلاء بأصواتهم، إلا أنّه في الوقت نفسه أحبط عزيمة أكثر من نصف الناخبين. وليست الفوضى وحالة الإحباط المتزايدة في المجتمع حيال الانتخابات سوى ردّ فعل الشعب على هذه الازدواجية. ففي الخطابات الأخيرة التي ألقاها المرشد الأعلى، أشار بوضوح إلى أنّ الإدلاء بالأصوات في هذه الانتخابات هو بمثابة مصادقة على النظام القائم حالياً إلى جانب اختيار الرئيس المقبل. وأثار هذا التصريح امتعاض عدد كبير من الناخبين المترددين الذين كانوا يفكرون في خيارات أخرى في ظلّ غياب المرشحين الذين يحظون بشعبية كبيرة مثل رحيم مشائي وهاشمي رفسنجاني. لقد غيّر الأشخاص المستاؤون من النظام رأيهم، بعد أن كانوا يعتبرون أنّ الانتخابات هي السبيل الوحيد لإجراء تغييرات. فقد قيل لهم إن الانتخابات ستكون استفتاءً لتأكيد شرعية النظام! إن كان المرشد الأعلى يرغب في أن يدلي أكبر عدد ممكن من الأشخاص بصوته فلماذا أحبط عزيمتهم بهذه الطريقة السلبية؟ الإجابة البسيطة على هذا التساؤل هي عدم حاجته إليهم وعدم رغبته في أن ينتخبوا لأنّ خياراتهم تتعارض مع خياراته. وبفضل هذه الخدعة البسيطة، تراجعت فرص وصول المرشح شبه الإصلاحي حسن روحاني إلى سدة الرئاسة، مع العلم أنّ هذا هو ما يريده المرشد الأعلى ومؤيدوه. يرغب خامنئي في أن يدلي الأشخاص الموالون للنظام والمحافظون فحسب بأصواتهم يوم الجمعة. فهذا النوع من الأشخاص لا يتوانى مهما حصل، عن دعم النظام معتبراً أنّه ينفّذ واجبه الديني. ويقدّر عدد هؤلاء الأشخاص ب15 مليون ناخب فيما مرشحهم المفضّل هو الشخص الذي يطرح أفكاراً تتماشى مع أفكار المرشد الأعلى والمحافظين. أعلن آية الله خامنئي أن ليس لديه مرشح مفضّل وأنه يحقّ له الانتخاب مرة واحدة وأنّه سيتكتم على اسم الشخص الذي سينتخبه. إلا أنّه يسهل فهم لغة الرموز التي يستخدمها لتبيان مرشحه المفضّل ومن هو أفضل من غيره. وفي ظلّ البلبلة التي ترافق الانتخابات الرئاسية التي ترشّح عليها ست شخصيات، لا شكّ في أنّ كلّ من سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف يلبي كافة متطلبات المرشد الأعلى لشغل منصب الرئاسة. فبوسع سعيد جليلي جذب الشرائح المحافظة في المجتمع فيما يلبي باقر قاليباف مطالب الحشود الثورية والدينية المدنية. تمّت المصادقة على ترشيح حسن روحاني ومحمد رضا عارف لخوض السباق الرئاسي للادعاء بوجود تعددية وخيارات متعددة في هذه الانتخابات. إنّ المؤهلات التي يتمتع بها المرشحون المعتدلون والإصلاحيون لا يعني أنّ آية الله خامنئي يؤيد تكافؤ الفرص. كما أنّ الوقت ليس حليف الإصلاحيين. في ظل الوقت القصير للحملات الانتخابية (أقل من أسبوعين) ومع انسحاب محمد رضا عارف من السباق والدعم الكامل لهاشمي وخاتمي، من المستبعد أن يتصرّف روحاني كما تصرّف موسوي منذ أربع سنوات. لا شك أنه يجب الإقرار بأنّ روحاني نظم حملة انتخابية رائعة وأبدى معارضته للنظام التوتاليتاري على رغم كافة الصعوبات التي تعترض طريقه. كما أننا بعيدون عن الموجة التي أوصلت خاتمي إلى سدّة الرئاسة عام 1997 إلا في حال استيقظ الشعب الإيراني من سباته في هذا الوقت القصير وانتخب حسن روحاني على رغم المرارة التي يشعر بها حيال هذه الانتخابات. ففي حال استيقظت هذه الحشود الصامتة، بوسع روحاني الفوز بالانتخابات بسهولة. يبدو الفوز أكثر صعوبة بالنسبة إلى المرشحين المحافظين مقارنة بفرص روحاني لأنّ أصوات الناخبين الذين يتراوح عددهم بين 15 و20 مليون ناخب ستنقسم بين خمسة مرشحين، وبالتالي، لن يكون عدد الأصوات مرتفعاً للمحافظين. وفي ظل جمود الشعب وعدم رغبته في المشاركة بالانتخابات، ثمة فرص كبيرة بأن يحصل مرشح محافظ واحد إلى جانب روحاني على أصوات كافية تخولهما خوض جولة ثانية. وفي حال إجراء جولة ثانية، يمكن أن تتشكّل مجموعتان، الأولى مع المرشح المحافظ والثانية مع المرشح الإصلاحي، الأمر الذي من شأنه حض الناس وتشجيعهم على دعم المرشح الإصلاحي. يبدو أنّ حسن روحاني الذي يحظى بدعم الأبوين الروحيين للإصلاح أي الرئيس السابق محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني يشكل خطراً على الفرقاء المحافظين. وكانت وجهت تحذيرات إلى روحاني مع اقتراب موعد الانتخابات. في مناسبات نُظّمت مؤخراً، تطرّق آية الله خامنئي إلى المرشحين الذين «يتحدثون فوق قدراتهم وسلطتهم» معتبراً أنه يجدر بالناس عدم إعارتهم انتباههم. فمن غير روحاني يتحدّث عن دور القانون وضرورة إطلاق سراح السجناء السياسيين ورفع الإقامة الجبرية التي فُرضت على موسوي وكروبي منذ سنتين؟ لم يحظ محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني بفرصة دعم روحاني علناً. فهم يعرفون التأثير الذي سيخلّفه خاتمي في حال صعد على المنبر وعبّر عن دعمه لروحاني مثل ما فعل حسين موسوي منذ أربع سنوات. بوسع خاتمي الذي يعدّ الشخصية الأكثر الشعبية، تغيير قواعد اللعبة في حال أراد ذلك مع العلم أنّ الأب الروحي للإصلاح لن يخاطر بذلك إلا في حال استدعى الأمر. أظنّ أنّ الانتخابات لن تكون سهلة بالنسبة إلى المحافظين. فالإيرانيون هم أصحاب مفاجآت وأنا واثقة بأنهم سيفاجئوننا مجدداً اليوم.