عمدت القوى المصرية التي تعتقد أنها تملك الشارع وترفض دوماً الاحتكام الى الصندوق الى الاستقواء بأي شيء ضد البعض، والبعض هنا هو كل من هو إسلامي. فمنذ سقوط نظام الطاغية بدأت كل قوة سياسية تحشد طاقتها للوصول الى الحكم، وهذا أمر طبيعي لا حرج فيه ، فهذه هي الديموقراطية. ومرت القوى المسماة بالليبرالية بمرحلة الصدمة الشديدة لفشلها في كسب ثقة الجماهير من خلال انتخابات نزيهة، الجماهير التي تصوروا ، وهماً ، أنهم يملكونها. ففشلوا في انتخابات مجلس الشعب الأولى بعد الثورة. وعندما جاءت الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة لاحت أولى مراحل الانتهازية السياسية بمحاولات الترويج لأفكار واهمة مضحكة وسخافات لا محل لها من الديموقراطية، كتنازل الأول للثالث، أو الإعادة بين ثلاثة! ونعلم تماماً أن نتاج ذلك كان عودة النظام المخلوع. وبدلاً من أن تتحرك تلك الأحزاب الكرتونية لبناء قواعد جماهيرية، بدأت منذ اليوم الأول حملتها لإفشال الرئيس وإسقاطه وإعادة الانتخاب، تارة عن طريق محكمة المخلوع الدستورية، وتارة أخرى عن طريق تهييج الشارع بالإشاعات أو استعجال تحقيق الأحلام بمقاييس غير منطقية، أو عن طريق المدعي العام خليل المخلوع والإعلام الرخيص. وعندما نجح مرسي في رد القيادات العسكرية الى دورها الطبيعي وعزل مدعي مبارك العام وأصدر قرارات تحييد المحكمة الدستورية، لم يجد هؤلاء مدعو الثورة غير الاستقواء بالخارج وبقايا نظام المخلوع وأمن الدولة الى جانب الإعلام الساقط الذي لا يعرف إلا الأشاعات والأكاذيب. لقد سقطوا جميعاً عندما رفضوا الحوار، ورفضوا المشاركة في وضع الدستور والاستفتاء عليه، ورفضوا كل محاولات التوصل الى حلول وسط أو مواءمات، وأصروا على أن يتنازل الرئيس عن كل شيء ، وإلا فهو غير وطني، بل هو من الثورة المضادة! ولا عجب من ذلك في زمن انقلبت فيه كل الموازين. إن هدفهم هو الحكم، ولا خطأ في ذلك إن جاء عن طريق الصندوق، لكنهم يعلمون قدر عجزهم عن ذلك ، فهم يسعون دائماً الى تأخير كل أشكال الاحتكام للصندوق بكل الوسائل ، قانونيه كانت أم بلطجة، إلا إنهم لم يتعلموا من التاريخ، إن من يستقوي بالباطل يكوى به. ولأنهم لا يملكون التحكم في البلطجية الذين اتحدوا مع بقايا نظام المخلوع لإطلاقهم، فقد أصبحت البلطجة عبئاً عليهم كما هي عبء على كل مصر. وانطلقوا بالاشاعات والاكاذيب، ولم يرحموا مصر التي يتغنون بها، ولم يعقلوا أنهم يستقوون بنظام المخلوع على رئيس منتخب، رضينا عنه أم لم نرض. لا يختلف اثنان على ضرورة الحفاظ على حرية الإعلام والمعارضة، إلا أن الأمثلة التي نراها تظهر سقوطهم المزري ، كمثال باسم يوسف، ولا أنكر أنني استمتعت لفترات طويلة بباسم يوسف، لكن اللامعقول هو أن يحوله البعض إلى بطل ويدعي البعض أنه يتعرض لقهر. أي قهر هذا؟ لا بد أن ندافع عن حق الجميع في حرية التعبير وفي الوقت نفسه يجب ألا نسقط كما سقط كثيرون في خندق النفاق برفض حق أي مواطن في مقاضاة الآخرين إذا شعر أنه قد أضير من الآخرين، أينما كانوا. وفي الوقت نفسه يجب ألا ننساق وراء من يسعون الى طمس تاريخنا وضميرنا. لقد أحزنني بشدة أن يصل الحال ببعض من يدعي الوطنية أن يستخدم التاريخ والتراث العربي لتكريس الاشاعات والقسمة العربية، وهم بذلك يستمرون في مخططهم النابع من خلط واضح بين كراهيتهم للإخوان وسعيهم الى تدمير مصر. وقد وقع هؤلاء في مهزلة النفاق المضاد بمحاولة تشويه أنشودة الوطن الأكبر وضمها الى هراء الأكاذيب. واليوم الورقة الأخيرة، أزمة طائفية مفتعلة، لكن كما سقطت محاولاتهم الرخيصة للإيقاع بين الجيش المصري والرئيس، ستفشل ألاعيبهم للإيقاع بين الأقباط والمسلمين. ألم يحن الوقت لأن تتوقف تلك المهزلة الإعلامية؟ حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم التاريخ.