استطاع برنامج «كن حراً» الذي يعنى بحماية الأطفال والمراهقين من الاعتداء والإهمال، في البحرين خلال 12 عاماً العمل على بناء شخصيات الأطفال والمراهقين، وتطوير مهاراتهم الحياتية ومساعدتهم ليكونوا أفراداً إيجابيين فاعلين في مجتمعاتهم، وذلك من خلال تدريب حوالى 19 ألف طفل على مختلف المهارات، وأكثر من 8200 ولي أمر على دورهم في حماية أبنائهم من الاعتداء، و884 اختصاصياً في هذا المجال. أنطلق البرنامج عام 2002 بإشراف مديرته الدكتورة رنا الصيرفي، وبرعاية المفوضية السامية لحقوق الإنسان آنذاك، ماري روبنسون. ويتعامل البرنامج في شكل مباشر مع الأطفال والمراهقين الاعتياديين ومن ذوي الإعاقة من سنّ الخامسة وحتى ال18، ومع الأهل، والمربّين والمعلمين، والاختصاصيين، والمجتمع عموماً، بهدف مساعدة الطفل والمراهق على تقدير الحياة، والانطلاق بثقة لبناء شخصيته وحماية نفسه، وتبنّي مفاهيم ومهارات أساسها القيم الإنسانية، وغرس قيم السلام والتفاعل الإنساني مع الآخر المختلف، واعتباره مصدراً للتّعلم والمشاركة، والمساهمة في تغيير نظرة المعاق السلبية لنفسه، ونظرة الآخرين إليه بما يعزز إيمانه وقدرته على ممارسة دوره الإنساني، وتقديم المساندة وبناء الشراكات مع الأهل، والاختصاصيين والمعنيين بالأطفال والمراهقين، لتحقيق درجات عالية من التطور في قضايا الطفولة والمراهقة. يقوم البرنامج، كما توضح الدكتورة رنا الصيرفي ل»الحياة» على مبدأين أساسيين، الأول هو «أهمية الوجود الإنساني» الذي يعزز القيمة الإنسانية للطفل والمراهق، وأن وجوده في هذه الحياة له أهمية مميزة. أما المبدأ الثاني فيرتكز على «التأثير والقيادة للتغيير» الذي ينمّي القيم الإنسانية لدى الأطفال، واحترام المختلف والتعلّم منه، واختيار العلاقات السليمة، ومعرفة التعامل مع العلاقات غير السليمة، والتأثير الإيجابي في مجتمعاتهم. وتشير الصيرفي إلى إن برنامج «كن حراً» يركز على تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وقوة شخصيته، وتدريبه على مهارات الحياة الأساسية، استناداً إلى دراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يتمتعون بالثقة بأنفسهم أقل عرضة للاعتداء. ومن هذا المنطلق فإن البرنامج لا يتطرّق مع الأطفال عن التحرش الجنسي بتاتاً، وإنما يركز على مفاهيم ومهارات تشمل، الثقة بالإحساس، والتمييز بين الأسرار السيئة والجيدة، وكيفية معرفة الشخص المناسب لإخباره عند تعرّضه لشيء لا يرتاح له، وغيرها، تساهم في حمايتهم من التعرّض للاعتداء، وتساعدهم على التصرف في شكل أفضل في المواقف الصعبة التي قد يتعرضون لها. وبيّنت مديرة البرنامج أن آليات العمل تقوم على «ورش تفاعلية» بعيدة من أسلوب التخويف الذي له تأثير سلبي على الأطفال، وفي جو عام من المرح. كما تركّز الورش على أن يتوصل الأطفال بأنفسهم إلى النتائج، وليس بتلقينهم، وذلك من خلال تمارين متنوعة يرى الطفل أنه تم تبنّي فكرته، وليس هناك شيء مفروض عليه. وعن كيفية تفاعل الأهل مع البرنامج، أوضحت الصيرفي: «يلقى البرنامج تفاعلاً إيجابياً من الأهالي، فهناك طلب يفوق قدرة البرنامج على تسجيل الأطفال للورش التدريبية، كما أن هناك حضوراً لافتاً للورش التدريبية والندوات المخصصة لأولياء الأمور التي ينظمها برنامج كن حراً في المدارس والأندية والمراكز الثقافية وغيرها. ويتواصلون مع البرنامج لإطلاعنا على تأثير الورش التدريبية على أطفالهم، وتطبيقاتهم للمفاهيم والمهارات التي تعلموها من خلال الورش». ولأن البرنامج يؤمن بأن حماية الأطفال من الاعتداء قضية مجتمعية، وقضية أسرية تتطلب تكاتف مختلف المؤسسات الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني لحماية الأطفال، وتغيير نظرة المجتمع تجاه هذه القضايا لتكون قضايا مجتمعية، فقد أُصدر ميثاق شرف لحماية الأطفال من الاعتداء، يغطي المؤسسات الإعلامية، البرلمانيين، المؤسسات غير الحكومية، الشرطة، القضاة، رجال الدين، مزودي خدمات الإنترنت، وزارة التعليم، وزارة الخارجية، ويشكّل خلاصة جهود مجموعة من الاختصاصيين من مختلف القطاعات والبلدان. ومن ردود الأفعال التي تلقّاها البرنامج بعد الدورات وورش العمل الموجهة إلى الأطفال، تقول الصيرفي: «تعتمد الورش التدريبية في شكل أساسي على مساعدة الأطفال والمراهقين على تغيير نظرتهم للأمور والطريقة التي يفكرون فيها ويحللون فيها المواقف المختلفة، وطبيعة النتائج التي يتوصلون إليها. أما التقنيات أو المهارات فلا تتعدى 20 في المئة مما يتعلّمه الأطفال. وقد لمسنا من خلال التواصل مع الأهل والمدارس تأثير الورش التدريبية على الأطفال. وقد شمل جوانب مختلفة من حياتهم، أهمها ثقتهم بأنفسهم، وتعاملهم مع الآخرين، وتطبيقهم لمهارات التفكير المختلفة، ومهارات الحماية في حياتهم اليومية، وفي المواقف التي يتعرّضون لها». وأشارت الصيرفي إلى أن البرنامج أعدّ وقدم أكثر من 400 حلقة إذاعية للتثقيف حول مختلف القضايا المتعلقة بالأطفال والمراهقين وبناء شخصياتهم. كما أطلق مشروع «غراس المعرفة الكونية»، وهو مشروع يساهم في تبنّي المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها لأساليب مبتكرة ومتجددة، تجعل منها مكاناً يتوق إليه الطالب، وتزيد من وعيه فيتخطّى العلم ليصل إلى المعرفة الكونية. وتنقله من التمحور حول الذات إلى التطلّع لبناء المجتمعات ورسم بصمة وجوده الإنساني، إضافة إلى مشروع «أنا والآخر» الذي يهدف إلى بناء ثقافة تحترم الآخر، وتتعلّم من الاختلاف. برنامج «كن حراً»، الذي بدأ من البحرين وأنطلق إلى الخليج حائز على جائزة «شايو»، التي تنظمها المفوضية الأوروبية لبلدان الخليج العربي عام 2009، وجائزة «يونيسف» للإعلام الإقليمي حول حقوق الطفل 2010، وجائزة الشيخة فاطمة بنت مبارك للشباب العربي الدولية 2012.