ليس سيّئاً فحسب تصدّرت رواية دان براون الرابعة المبيعات في بريطانيا فور عرضها في المكتبات، وباعت في الأسبوع الأول حوالى 230 ألف نسخة. لم تبلغ الإقبال الذي حققته «الرمز المفقود» للفترة نفسها (550 ألف نسخة) لكن الكاتب الأميركي يبدو أكثر اهتماماً بالنقاد. قالت «ذا تلغراف» إن «جحيم» هي الكتاب الأسوأ له وإن طموحه يفوق قدراته. رأت «ذا أوبزرفر» أن الكاتب ليس سيّئاً فحسب بل مجنون أيضاً. وشكا هو ل بي. بي. سي من أن أسوأ المراجعات تأتي من المملكة المتحدة حيث يبدو رفسه من مكان إلى آخر رياضة النقاد. يستفيق البروفسور روبرت لانغدن في مستشفى فلورنسي بجرح في رأسه وفجوة في ذاكرته. آخر ما يتذكره أنه كان في الجامعة، فكيف انتهى في المستشفى؟ توضح الطبيبة سيينا بروكس أنه صيب بارتجاج في المخ حين مسّته رصاصة. تدخل فجأة امرأة من «البانك» مدبّبة الشعر وتطلق الرصاص فتهرع به الطبيبة إلى شقتها. عانت الشابة الجميلة من مرض عصبي يتسبّب بالذكاء الشديد والصلع، ويضطر أستاذ الرموز في هارفرد إلى استعارة شعرها الأشقر المستعار. يكتشف جهازاً صغيراً حيك داخل سترته تظهر فيه صورة متغيّرة لبوتيتشيللي من «الكوميديا الإلهية». يغير جنود يرتدون بزّات سوداً على المبنى الذي تعيش فيه سيينا، وينجو معها بصعوبة. يذهب إلى المتحف ويدرك أنه كان هناك الليلة الماضية ليتفحّص قناع موت دانتي. ينجح الجنود في القبض عليه ويأخذونه الى إليزابيث سينسكي، الأمينة العامة ل «منظمة الصحة العالمية». تخبره أن صاحب القناع، برتراند زوبريست، انتحر منذ أسبوع وكان عالماً عبقرياً مجنوناً شاء إنقاذ البشرية من تضخّم عددها بقتل الملايين بفيروس ابتكره. توضح أن الجنود فرقة من المنظمة كلّفتها اعتقاله لا قتله، لأنها ظنّت أنه انضم إلى معسكر زوبريست! تقود الرموز لانغدن إلى المعالم السياحية في فلورنسا والبندقية واسطنبول، لكن سيينا تسبقه إلى تركيا، مركز اللغز. لازمت لانغدن لكي تعرف سر الجهاز، واقتنع بأنها كانت الخائنة التي أيّدت زوبريست سرّاً. تتحلّل الحقيبة التي تحمل الفيروس فيتسلّل إلى الماء، ويتّضح أنه يغيّر الحمض النووي بحيث يتسبّب بعقم ثلث السكان والأجنّة. يكتشف أن سيينا أرادت الحصول على الفيروس لمنع استخدامه، وأنها عملت بمفردها لشكّها في منظمة الصحة وأمينتها العامّة الجميلة الماكرة. شوكولا وأحزان أخرى مقالات مبعثرة سبق نشرها، ما عدا واحدة، في «كتاب حيواتي» الصادر عن دار بيكادور، بريطانيا، لألكسندر هيمون. كان الصحافي الراديكالي الشاب يزور أميركا ضمن برنامج تبادل ثقافي حين بدأ أطول حصار في التاريخ لمدينة. يشير مراراً إلى زيارته أوكرانيا في صيف 1991 قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي. عاد إلى سراييفو ووجد مدينة خائفة، مرتبكة، في حال من الإنكار. كثرت الحفلات والجنس والمخدّرات، ثم انحسرت تحسّباً للآتي. لم يعد هيمون من أميركا. جلس أمام التلفزيون يحاول «التعرّف إلى الأشخاص على الشاشة – كانوا يتلوّون في بركة من الدماء بلون الورد، بسيقان مقطوعة ووجوه شوّهتها الصدمة - لكنني لم أستطع معرفتهم». تناول «لوليتا» وقاموساً، ودرس الإنكليزية على يد مهاجر آخر. يقارن كثيرون نصه بنثر فلاديمير نابوكوف البليغ، الباحث بعناية عن مفرداته من دون أن يفقد الطراوة. هيمون يقول إن ما يجمعه بالكاتب الروسي ليس القدرة اللغوية بل الحساسية اللاذعة، الهزلية، المرنة، التي تميّز النظرة السلافية. تخفّف الكتابة مأساة فقدان الوطن، لكن هل تساعد على الانصهار في بديله؟ يستقر أهله في كندا، وهو في شيكاغو، ويتأزّم الحس بالهوية المزدوجة. يتذكّر ولادة شقيقته الصغرى وتفكيره أنه لن يستطيع بعدها الاستئثار بالشوكولا كله. قسوة الخدمة في الجيش الشعبي اليوغوسلافي لوجبة الطعام المحدودة. علاجه النفسي من الغضب. حفلة اختار ورفاقه النازية موضوعاً لها، وقلّدوا فيها الانحطاط كما صوّرته الأفلام اليوغوسلافية. معلّم الشعر في الجامعة، نيكولا كولجفيتش، الذي كان مثقّفاً كبيراً، بأصابع نحيلة كأنامل عازفي البيانو وبسمة مسترضية. انتهى الرجل رفيقاً لرادوفان كاراديتش، واستغلّ إجادته الإنكليزية ليدافع عن السياسة الصربية أمام الديبلوماسيين والصحافيين الأجانب حتى انتحاره. يحاول هيمون نسيان ما تعلّمه من كولجفيتش للتحرّر منه ويعجز. يزوغ في شوارع شيكاغو «مهاجراً متبطلاً بأجر مخفوض». يقوّي كرم الأميركيين عزيمته في الوقت الذي يدهشه تعاليهم: «رائع أن تكون من ثقافة أخرى». حين يصحب في ما بعد صديقاً بوسنياً في جولة في المدينة يدرك أن داخله المهاجر بدأ يختلط بخارجه الأميركي. في المقال الأخير يتناول وفاة ابنته الصغرى إيزابيل في شهرها التاسع من ورم في الدماغ. يكتب سبعاً وعشرين صفحة بغضب مكبوت يشفّ منه الحزن والفجيعة. كل ذلك الموت الذي رآه ولم يره دخل بيته ووحّد وطنيه ماضياً وحاضراً. البيت الأزرق على التلة كانت أميناتا فورنا في العاشرة حين اعتقل شرطيان من الاستخبارات والدها في منزل الأسرة في سيراليون عام 1975. أُعدم الطبيب والسياسي بتهمة الخيانة العظمى المفبركة، وهجست الطفلة بوحشية السلطة وهشاشة الفرد. استكشفت فورنا ماضيها في «الشيطان الذي رقص على المياه» في 2002، وتناولت الحروب الأهلية في أفريقيا في روايتيها «ذاكرة الحب» و «الحجارة السلف». تنتقل إلى أوروبا وتبقى في ظل الحرب في عملها الرابع «العامل المأجور» الصادر في بريطانيا عن دار بلومزبري. تشتري أسرة إنكليزية بيتاً على التلة في قرية غوست الكرواتية الخيالية. حين تصل لورا مع ولديها ماثيو وغريس في سيارة رباعية الدفع، يراها القارئ أولاً عبر منظار بندقية دورو، أحد العمال المحليين الذي يعيش في كوخ مجاور للبيت. تستعين لورا به لإصلاح السقف وتنظيف الأقنية، وتكتشف ابنتها خلف الجص المهترئ فسيفساء صوّرت طيراً أحمر ذهبي الريش والذيل. يواكب ترميم اللوحة شعور بالأمل يشوبه توجّس من شرّ غامض مقبل. يسمع دورو الأم تقول يوماً إن زوجها ما كان اشترى البيت لو حدثت «مثل هذه الأحداث هنا. كانت بعيدة كثيراً. حيث عاش المسلمون. لم تعد حتى البلاد نفسها». يشير دورو إلى حب الإنكليز الماضي الذي يفضّل تجاهله مع سائر سكان القرية. لكن غوست لم تكن الجنة التي توقعتها لورا. جذبها غياب السيّاح والامتداد الحر لحقول الأزهار البرية، لكن الملاسنات الصغيرة أخفت تاريخاً دموياً. تابع السكان حياتهم من يوم إلى يوم، وتظاهروا بأنهم لا يتذكرون الجرائم التي ارتكبها بعضهم ضد بعضهم الآخر. قبل ستة عشر عاماً عاشت حبيبته الأولى آنكا في البيت الأزرق، ورأى مسلّحين يقودونها حافية القدمين، تحت الليل والمطر، إلى الغابة. يتجمّع رجال في سترات جلد في ساحة البلدة، وتختفي أسرة يسطو الباقون على أثاث منزلها. يصادق دورو العازب، المتوسط العمر، الأسرة ويُقابَل بريبة السكان. يصلح سيارة قديمة يوغوسلافية الصنع لماثيو الغضوب الذي يستعد للذهاب إلى الجامعة، ويصحبهم للسباحة في بقعة جميلة كان يقصدها. يرافق لورا إلى المحال التي بحثت فيها عبثاً عن بندورة الكروم وأجبان من صنع الحرفيين. في مخبز القرية يربكها صاحبه الوقح، وتسأل ببراءة عن سبب إغلاق المخابز الأخرى وسط الطلب المتزايد على إنتاجها. تجهل أن صاحب المخبز المنافس هجره فجأة وترك أنواع الخبز الكثيرة تتعفن على الرفوف بسبب كلمة واحدة. يلتقي دورو في مقهى البلدة الرئيس «زودياك» فابيان وكريزيمير، الوحيدين الباقيين من جماعته القديمة، واللذين اختارا خطاً مغايراً حين بدأت الحرب وتساقطت الضحايا. يحمل بندقيته يوماً ليدخل غابة الصنوبر خلف البلدة ويعود صياداً. لكن «العامل المأجور» قصة غفران ومصالحة، ودورو الذي يرمّم لوحة الفسيفساء يعتبر نفسه وصيّاً على تاريخ قريته، ويمتنع عن الانتقام حين يقدر عليه.