رشّح مرتين لجائزة بوكر، وفي 2007 اختارته «تايم» الأميركية في المرتبة السادسة عشرة من مئة شخص «يغيرون العالم بموهبتهم وسلطتهم وقدوتهم». ديفيد ميتشل، قالت المجلة، ابتكر رواية القرن العشرين، وفي بلاده كان ربما الكاتب الوحيد دون الخمسين الذي خصّص له مؤتمر أكاديمي. في أيلول (سبتمبر) الماضي تحدث أكثر من عشرين باحثاً في جامعة سان أندروز المرموقة عن أسلوبه الاختباري، الحداثي، الطموح فنياً الذي يعارض الخط التقليدي باعتماد مجموعة كبيرة من الرواة ومناهج روائية عدة، إضافة الى الخيال العلمي. تدور روايته الأخيرة «فصول الخريف الألف لجاكوب دي زويت» الصادرة عن دار سبتر في عام 1799 وجزيرة ديجيما الاصطناعية في اليابان التي استأثرت شركة الهند الشرقية الهولندية بالعمل فيها. كانت الجزيرة الواقعة في خليج ناغازاكي وسيلة الاتصال الوحيدة لليابان بالعالم الخارجي في حقبة انغلاقها شبه الكامل بعد طرد المبشرين البرتغاليين ومحو المسيحية من البلاد. منعت اليابان الانتقال بين أرضها والجزيرة التي كانت أبعد مركز للأمبراطورية الهولندية البحرية. استوردت اليابان السكر فيها وصدّرت النحاس الأحمر الثمين، واقتصر سكان ديجيما على التجار الهولنديين وخدم من سيلان وإندونيسيا وماليزيا. يقصد المحاسب الهولندي جاكوب دي زويت الجزيرة ليعمل سنة واحدة يجمع خلالها المال الكافي للزواج بخطيبته. يرفض الشاب النزيه المساومة على مبادئه أو الصمت على الفساد في الشركة، فيجمع الأعداء بسهولة وسرعة، ولا يجد بين زملائه الهولنديين من يشاركه فضوله الثقافي باستثناء الدكتور مارينوس، طبيب الجزيرة. يعلّم الأخير مجموعة مختارة من الطلاب اليابانيين الطب بينهم قابلة ترك حريق ندباً على وجهها الجميل. بعد لقائين عابرين ينتقل قلب الشاب من الغرب الى الشرق. من الخطيبة في هولندا الى أوريتو في الجزيرة اليابانية المنعزلة. على أن حملته على الفساد تنتهي بهزيمة مذلّة، وبعد صداقة مع المترجم أوزاييمون نافسه هذا على أوريتو التي تختطف الى معبد ناءٍ لتتحول مع بضع نساء مشوّهات مثلها الى عبدة جنسية للرجال هناك. علّم ميتشل الإنكليزية في اليابان وتزوج إحدى بناتها، وكتب فيها باكورته «مكتوبة بقلم آخر» التي حوت تسعة رواة. عاد الى بريطانيا بعد تسع سنوات «لأن اليابان لا تزال تكره الأجانب الى حد ما» وتقصر عمل أولاد المتزوجين من جنسيات أخرى على التعليم والفن وعرض الأزياء. يدل تعبير «ألف خريف» في عنوان روايته الى اليابان، واستغرقت كتابتها أربع سنوات كانت أطول مدة تطلبها عمل له. تعثّر قلمه عند الكتابة بصيغة الغائب التي لا يتقنها، وبعدما أعاد كتابتها للمرة الثالثة اقتنع أن لا جدوى من المحاولة الرابعة، وأرعبته الفكرة فجرّب مجدداً. تراوح «ألف خريف لجاكوب دي زويت» بين الرواية التاريخية والخرافة، وتسجّل بدء نظام تجاري جديد، والتنافس الإنكليزي الهولندي على السيادة البحرية ووصول بارجة بريطانية لطرد الهولنديين ومصادرة دورهم التجاري. يتمسّك المسيحيون السريون بإيمانهم، ويستعبد الهولنديون غير الأوروبيين بروح استعمارية خالصة. تطرح الرواية أفكاراً على المجتمع المغلق عبر أفراد يتأثرون بالاقتراحات الحضارية الجديدة مثل كتاب «ثروة الأمم» للسكوتلندي آدم سميث ومبادئ الثورة الفرنسية. يقابل الوجه الجميل لعصر التنوير الأوروبي الذي يوفر التقدم الطبي والزراعي ذلك القبيح الذي يبيع الأسلحة ويعتمد منهجاً جديداً قاسياً للدين. في الرواية ملمح ذاتي يمثّله فتى ياباني أوروبي أزمته أنه ليس يابانياً ما يكفي لينتمي أو أوروبياً كفاية ليهاجر مثل طفلي الكاتب ربما. من الفوارق الحضارية غياب كلمات غربية مألوفة من القاموس الياباني مثل «خصوصية» و «يستحق» و «طحالي» بمعنى «نكد». وجد الكاتب مجده مع روايته الثالثة القصيرة «الغيمة أطلس» في العام الخامس للكتابة التي حطمت الرقم القياسي في المبيع، ونالت تصفيق النقاد أيضاً. في عمله الرابع «بلاك سوان غرين» مراهق يعاني من التأتأة كالكاتب الذي لا يزال حتى الآن يقع في شرك كلمة أو أخرى. براءة ريفية تستوحي نيكولا باركر في روايتها الثامنة عادة إنكليزية عنيدة تنسج حولها قصتها. «سرقة صندوق البريد في برلي كروس» الصادرة عن دار فورث إستيت، بريطانيا، تدور في قرية جميلة ميسورة في الريف الإنكليزي تضطرب فجأة لدى خلع صندوق البريد من مكانه، وسرقة بطاقات المعايدة ونحو ست وعشرين رسالة. يكلف الشرطي روجر توبينغ مهمة التحقيق، ويعثر على المسروقات في زقاق في ضيعة مجاورة. لماذا يتكلّف أهل برلي كروس الكتابة في عصر الإنترنت؟ تشير باركر (44 سنةً) الى فيروس في الكومبيوتر، مصادرة الهاتف النقال ووجود نينا، الموظفة الجميلة الجديدة في مكتب البريد التي جعلت الرجال يكتشفون متعة طريقة التواصل القديمة، غير أن كتابة الرسائل تقليد إنكليزي أصيل. تورد باركر الرسائل كاملة لتكشف الجانب الآخر من حياة القرية الكاذبة الهناءة. خيانة، سرقة، جنون، جرائم حرب، تحرش بالأطفال ورغبة في الانتحار. قد تصلح القرية صورة على علبة شوكولا لكن حياة أبنائها تشمل الحامض والمر أيضاً. يلاحق باكستر ثورندايك نائب المنطقة ومحرر زاوية الرسائل في الصحيفة المحلية بكتابته الملحة عن أغطية الفتحات في الشوارع التي يقتنع أن المهاجرين الصينيين يسرقونها. هاجسه الآخر استخدام السحر لجذب النساء ومد صديقه برايان بالوصفات مع تحذيره من أن الخاضعة للسحر ستكرهه لأنها لن تفهم ما الذي دفعها الى النوم معه. يشعرها النبات السحري والتعويذات بالدوار أولاً، ثم تصاب بالذعر فالاستياء. «ولكن هاي، من يهتم بذلك؟ حصلت على ما أردته، فما المشكلة إذاً؟». جيريمي بيفرستوك غاضب في كل صفحات رسالته الأربع والعشرين. جارته التي تملك أربعة كلاب جرمان شيبرد تجمع فضلات الكلاب الأخرى في الأكياس الصغيرة المخصصة لها، وتعلقها على الشجيرات، وهو يرى أن القانون يقصر لمّها من الشوارع فقط لا الأراضي المحيطة بها أيضاً. يعيش إيدو، الأفريقي الوحيد في القرية، حياة توبة تكفيراً عن جرائم الحرب التي ارتكبها في الكونغو، وممارسته البغاء الذكوري في غامبيا. يحاول توم تبرير تلصّصه في الحمام العمومي على رجلين وشعوره بالرغبة. تكتشف نينا المتبناة والدتها الحقيقية لكن هذه ترفضها وتكتب لها رسالة قاسية. تهجس باركر بالأسلوب لكن شغلها على اللغة لا يحرمها الخفة والمرح واختلاف النبرة لدى تغير الصوت. تفضّل الشخصيات الجريحة الهامشية، وفي «مفتوح واسعاً» اختارت بطلاً ابن متحرش بالأطفال تعرض هو أيضاً للاعتداء وارتكب اغتصاباً رهيباً ختمه بالقتل. ضجة الأفكار تصدر هلن سمبسن مجموعة قصصية كل خمس سنوات وتعالج كالعادة في آخر أعمالها «التسلية داخل الطائرة» الصادرة عن دار كيب الأسرة والعلاقات وضغط الأطفال على هوية المرأة وطموحها. في قصة العنوان ينقل رجل أعمال الى مقصورة الدرجة الأولى، لكنه يمتعض عندما يتوعك مسافر ويتسبب بفوضى تمنعه من التمتع بالطعام. جيريمي، الراكب قبالته، عالم مناخ سابق يؤمن بأن البشر ينحرون كوكبهم بالسفر المتكرر ولا يرى حلاً يمنع النهاية المشؤومة. يتوفى المسافر المسن فتهبط الطائرة اضطراراً في كندا، ويبدي الاثنان عجزاً كاملاً عن التعاطف عندما يقولان ان النيات الحسنة لا تنفع الراحل بشيء. في قصة أخرى يتسلّل شابان وشابتان الى فيلا حيث يسبحون ويأكلون وينامون خلف حاجز. يصابون بضربة شمس ويوقظهم صراخ رضيعة، فيتلصصون على حياة الأسرة الغافلة، ويعارضون بشبابهم وجهلهم أيامهم الآتية. ترضع الأم طفلتها فتسخر الفتاتان من بدانتها والثنيات في معدتها، وتزهو إحداهما ضمناً بنفسها عندما تسرق نظرة الى صدرها المرتفع وخصرها النحيل. يرغب الزوج في الراحة أثناء العطلة، في حين تقلق الزوجة على تردي علاقتها به. يشمئز المتلصصون عندما تبدأ المرأة بالنواح ويهربون وسط شعور غامض بأن المصير نفسه ينتظرهم بعد سنوات. «مهرجان الخالدين» فانتازيا عن عجوزين تقفان في الصف في حدث أدبي، وتلاحظان أن جيلهما غائب عن الكتب التي قرأتاها. تتخيلان أنهما تريان الكتّاب الموتى من شكسبير الى جورج إليوت وشارلوت برونتي التي اعتمرت قبعة. «كنت على حق. إنها قصيرة القامة» تقول إحداهما، وترى أن جين أوستن كانت ستلجأ الى السخرية لو سئلت سؤالاً لا يعجبها»: كانت وقحة مع سارة العام الماضي عندما سألتها عن تأثير إرضاعها من غير أمها عليها». تشعر الأخرى بإعلاء: «لا تمكن قراءتي ككتاب. لم أمت بعد لكن الأمور قد تتغير». في «فرض مدرسي» تساعد امرأة ابنها على كتابة موضوع عن حدث غيّر حياته. تقترح طلاقها من زوجها وعشقه شابة تعيش معهما ولا تعرف الطبخ في حين تحمل هي حقيبتها على ظهرها وتجول العالم. في «عفواً» يكتشف أصم أنه يستطيع سماع أفكار من حوله عندما يضع السماعات الجديدة، ويعجب من الضجة البالغة التي يأتي بها الصمم. تدور «يوميات سنة مثيرة للاهتمام» في 2040 بعد خراب العالم وفيضان المجارير وانتشار الكوليرا. يكافح زوجان موجات البعوض والجرذان، وعندما يستولي مهاجرون إسبان على منزلهما يتشردان الى أن يعثرا على عرزال يستقران فيه ويقتاتان بالحشرات المسحوقة.