تشهد مدينة الرياض نشاطاً فنياً يتنوع بين المحلي والعربي والعالمي، يتمثل في العروض الفردية والمشتركة المتوالية والتي تضمها قاعات عدة مثل غاليري «الفن النقي»، «نايلا غاليري»، «لام غاليري»، «مشكاة»، «الآن» وسواها. بعد جولته على عواصم عربية، وصل معرض «25 سنة من الإبداع»، الذي ينظّمه معهد العالم العربي في باريس، إلى العاصمة السعودية. والمعرض هو عبارة عن مجموعة مختارة من الأعمال التي كُلّف باختيارها الفنان المصري إيهاب اللبان. ويشكّل هذا المعرض مناسبة فنية تحتفي بها الرياض، برعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة الذي حضر الافتتاح، بحضور مديرة معهد العالم العربي منى خزندار، ورئيس المعهد جاك لانغ وعدد من المسؤولين والفنانين التشكيليين السعوديين والمهتمين. واستوعبت قاعة «نايلا»، وهي واحدة من أحدث القاعات، التي يقام فيها المعرض الكثير من الأعمال الفنية النحتية والتصويرية المتنوعة. وقالت السيدة نايفة الفايز، صاحبة «القاعة»، إنّها تعمل بالتعاون مع شخصيات مُهتمة بالشأن التشكيلي من أجل دعم مسيرة الفن التشكيلي السعودي. وأضافت: «وتعزيزاً لمكانة الفن التشكيلي في السعودية نستضيف هذا المعرض المُقبل من باريس». وأشارت مديرة المعهد منى خزندار إلى أن هذا المعرض يُظهر التوجهات الرئيسة التي أنتجها الفنانون العرب في السنوات الأخيرة». يتميّز المعرض بتنوعه بين الرسم والنحت وأعمال التصوير الضوئي والفيديو والأعمال التركيبية، وهو تنوّع يتمثل في نتاجات الفنّ العربي الحديث الذي بدأ ينفتح على العالم من خلال أسماء شابة واكبت الحداثة الفنية التي يشهدها العالم وعبرت في الوقت نفسه عن قضايا اجتماعية وإنسانية راهنة. أمّا إيهاب اللبان فيُصنّف اختياراته ضمن أربع حالات، هي ما تتناول -وتبحث في- المشهد السياسي، إما بالملاحظة أو النقد وممارسات فنية باحثة في الظواهر الاجتماعية- الاقتصادية والتي تلمس تبعات المشهد السياسي المحلي، وممارسات راسخة من بداية القرن العشرين والباحثة في جماليات العمل أو الوسيط، وممارسات فنية عالمية الفكرة والوسيط، تتخطى حواجز الخصوصية المحلية أو الهواجس القومية. يتوجه هذا المعرض نحو أسماء معظمها شابة، بخاصة من السعودية، وهي سعت في مسيرتها القصيرة إلى الصورة الضوئية أو التقنية التي مثلتها «مَنتَجة» الصورة أو إعادة تركيبها كما هو تشكيلها. وفي المقابل تحضر اللوحة بتقنياتها المختلفة كتجهيزها من عجائن الأوراق (يوسف أحمد) أو توظيف الخامات من أقمشة وأوراق ورسومات جاهزة (محمد عمر خليل، محمود العبيدي) وغيرهما. تصبّ اختيارات المعرض في مصلحة أسماء تحضر عادة في المناسبات الفنية، مثل «آرت دبي»، وفي المعارض والأنشطة السنوية، بالإضافة إلى بعض المجموعات الفنية التي تتحرك ضمن أطر فنية خاصة. لذا فإنّ الفن السعودي لم يكن حاضراً، ولنشر مثلاً إلى محمد السليم أو عبد الحليم رضوي أو بكر شيخون أو علي الرزيزاء وكمال المعلم وعبدالله الشيخ وعبدالله المرزوق وعبدالعزيز عاشور، ومنيرة موصلي... وهنا يُمكن القول إنّه لا يمنع أن تُضاف بعض هذه الأسماء إلى قائمة من أعمال معهد العالم العربي في ظل افتتاح المعرض في الرياض، وتأكيداً لدعم القاعة للفنان السعودي. يقدم المعرض أسماء تختلف في تقنياتها ومدارسها واتجاهاتها الفنية، مثل سامي التركي وعادل السيوي وجوهرة آل سعود وحسن مير ومها الملوح وجعفر إصلاح وريم الفيصل وابتسام عبدالعزيز ونديم كرم وعبدالناصر غارم ومنير فاطمي وغيرهم... والمعروف أنّ بعضهم يخطّ مساره وفق معطيات الحداثة الفنية القائمة على الأداء أو التنفيذ من خارج محيط الفنان، وهو الغالب الآن في حالة النتاجات الفنية الإنشائية أو المجهزة في الفراغ. جماليات البيئة العسيرية وبموازاة هذا المعرض، تُقام في قاعات أخرى معارض سعودية، كمعرض الفنان عبدالله حماس (قاعة الفن النقي)، ومعرض آخر للفنان عبدالعزيز عاشور الذي طالما اشتغل على المزاج العسيري بحيث ينتسب إلى تلك البيئة الغنية بمعطياتها الطبيعية الجبلية الساحرة. معرضه «حماس» هو واحد من أكبر معارضه الفردية التي تتجاوز الثلاثين، وهو الفنان الذي جمع بين مواضيع فنية جمالية بحتة وأخرى تلامس على نحو مباشر الذائقة الشعبية العسيرية، فالشخصية الفنية التي تعكسها مواضيعه وتلاوينه واستلهاماته تتحقق في اللوحة، والشخصية الفنية التي يعمقها تؤكد أهمية هذا الفنان واختلافه وتأثيره أيضاً. إنّ الصيغة الفنية التي يطرحها الفنان عبدالعزيز عاشور في معرضه (قاعة «لام») تضعه في خانة التجريب الذي اشتغل عليه خلال الأعوام الأخيرة، وفق بعض الخامات التي سعى أن ترتبط مباشرة بمعطيات العصر. أما الأوراق الملصوقة أو الخامات التي وظفها في أعمال المعرض فيختارها بعناية، ووفق نظرته هي تعود إلى مطبوعات أجنبية وبلغة إنكليزية تخفف من حساسية المكتوب العربي. يمنحنا عمله الفني اكتشافاته الجمالية والتقنية التي وضعته في سياق تجريب أوصله إلى نتيجة قوامها الخامة والفكرة، وتوظيف تقني وفق ما تمليه حساسيته ورهافته.