أنهى وزراء النفط في دول منظمة «أوبك» اجتماعهم نصف السنوي في فيينا الجمعة باتفاق بالإجماع على إبقاء سقف الإنتاج الحالي البالغ 30 مليون برميل حتى كانون الأول (ديسمبر). واتفق الوزراء على ان معدل السعر الحالي البالغ نحو 100 دولار مقبول للجميع كما هي الحال منذ أكثر من سنتين ونصف سنة. ولم يجد الوزراء أي داعٍ لتغيير أي شيء فيما أسواق النفط مستقرة والمعدل السعري ما زال مناسباً في الظروف الاقتصادية الصعبة لمعظم دول العالم، النشاط الاقتصادي أقل من المطلوب، ومعدل النمو الاقتصادي العالمي ضعيف، ومستوى النمو دون المطلوب وأقل من اثنين في المئة، في حين أن الطلب العالمي على النفط مستقر، ولا خوف من أي انخفاض أو ضعف في الأسعار حتى نهاية العام الحالي. كان الاجتماع قصيراً وهادئاً، وخرج الجميع سعداء ومبتسمين. لكن وراء الابتسامة كان هناك سؤال على طرف لسان كل وزير للنفط: ماذا عن النفط الصخري؟ وتغاضى الجميع عن هذا السؤال المزعج. فالنفط الصخري المنافس مقبل، لكن وزراء المنظمة فضلوا تجاهل السؤال إلى حين آخر وتركه لمؤتمرات أخرى. لكن هذه الابتسامات لن تظل طويلاً، لأن على الدول النفطية مواجهة الحقيقة المرة لئلا تتعرض «أوبك» لكبوة مقبلة. ومع أن المنظمة لم تنظر أو تبت حتى الآن في هذا الموضوع المصيري، يتهامس وزراؤها في أروقة المنظمة حول كيفية مواجهة هذا الخطر الحقيقي الداهم. ويختلف الوزراء في تقويمهم للنفط الصخري. فهناك من يقول إنه ليس خطراً حقيقياً وسيساعد الأسواق النفطية والمنظمة في الحفاظ على استقرار الأسواق والأسعار. إلا أن الدول الأفريقية، صاحبة النفط الخفيف، ترى عكس ذلك، خصوصاً نيجيريا وأنغولا، حيث يفكر المسؤولون في البحث عن أسواق جديدة في الشرق -في الصين والهند تحديداً-، وذلك بسبب ان كل إنتاج النفط الصخري من النوع الخفيف الذي يؤثر مباشرة في الدول التي تصدر هذا النوع من النفط إلى أسواق الولاياتالمتحدة. حين استوردت الولاياتالمتحدة من السعودية ما يعادل 1.3 مليون برميل يومياً العام الماضي، وهو المستوى الأعلى منذ 2008، صدرت كل من نيجيريا وأنغولا 550 ألف برميل يومياً، وهو المستوى الأدنى منذ 25 سنة. وما زالت كندا المصدر الأكبر للنفط إلى الولاياتالمتحدة (2.5 – 2.8 مليون برميل يومياً). وتملك السعودية مصافي كثيرة في الولاياتالمتحدة تعتمد اعتماداً كلياً على الخام السعودي ما يعني صعوبة إحلال النفط الصخري (الخفيف) في هذه المصافي لسنوات طويلة مقبلة. وترى الدول المنتجة للنفط الخفيف أن عليها إيجاد أسواق أخرى لتحل محل أسواق الولاياتالمتحدة، ما يجعل استثمار السعودية والكويت وفنزويلا في المصافي داخل الدول المستهلكة في آسيا وأوروبا والولاياتالمتحدة استثماراً جيداً وضماناً آمناً لنفوطها في الأمد الطويل. ويتوقَّع حصول صراع داخل «أوبك» في السنوات القليلة المقبلة بين أصحاب النفط الخفيف وأصحاب النفط الثقيل وبينها وبين الدول النفطية التي تملك فوائض مالية تستطيع أن تتعايش مع معدلات أقل لأسعار النفط في مقابل الدول الأخرى التي تملك نسبة كبيرة من السكان ولا تستطيع أن تتعايش مع معدل سعري يقل عن 95 دولاراً للبرميل، ولا تستطيع مواجهة أي انخفاض حاد في أسعار النفط إن أرادت الدول النفطية مواجهة النفط الصخري المتوقع أن يباع ما بين 70 إلى 80 دولاراً للبرميل. وبدأت أيضاً المنافسة للحصول على حصص أكبر من كل من نيجيريا وأنغولا في الأسواق الآسيوية حيث حلت نيجيريا مكان الولاياتالمتحدة في الهند وزادت في الوقت ذاته صادراتها إلى الصين. وقد ترى الدول الآسيوية أن الدول الأفريقية المصدرة للنفط أكثر أمناً لاستيراد حاجاتها النفطية بدلاً من المرور عبر الخليج، ناسية أن التهديد سينتهي مع توقف واشنطن استيراد النفط من الخليج في اقل من أربع سنوات من الآن. لكن يجب ألا ننسى أنه إنْ تمكنت الولاياتالمتحدة من تطوير إنتاج النفط الصخري فستفعل بقية دول العالم الشيء ذاته، وهي عملية وقت لا غير. وفي الوقت الحالي ستكون أسعار النفط مستقرة والأسعار لن تنخفض عن معدلاتها الحالية ولن تتأثر بأي مؤثرات خارجية سياسية أو طبيعية، إذ تكاد الأسواق النفطية تكون مشبعة، وان الاحتياط الفائض من النفط الخام في تزايد ومن كل صوب من العراق ومن دول خارج أوبك مثل كندا والمكسيك والبرازيل، بالإضافة إلى الزيادة اليومية من إنتاج النفط الصخري. كان اجتماع «أوبك» الجمعة هادئاً وصحياً ومن دون مسكنات، لأن النفط الصخري لم يوضع بعد على جدول أعمال المنظمة، لكن هذا لن يدوم، فالموضوع سيتصدر جدول الأعمال هذا، وعند ذلك سيبدأ الصداع وقد تتدهور صحة المنظمة في سنوات قليلة مقبلة. يجب أن نكون جميعاً مستعدين لذلك اليوم. كاتب متخصص بشؤون الطاقة - الكويت