يتسبّبُ تحسن أسعار النفط بإشكالية حول مدى اندماج الذهب الأسود في انتشال الاقتصاد العالمي من هاوية الانكماش، أو انعكاسه سلباً على نتائج خطط حفزه وإنعاشه. ففيما يتحسن سعر النفط ويحقق المستوى المستهدف للدولٍ المنتجة والمصدّرة له، يشكّل، في الوقتِ ذاته، تعارضاً بين فريقٍ يرى في ارتفاعه ما يلجم النمو الاقتصادي العالمي وآخر يجد فيه ملاذاً لدول النفط النامية، يعزّز استراتيجيتها الاقتصادية لتستكمل بنيتها الأساسية وتنفق على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وتستثمر في حقول الطاقة المتعدّدة وتساهم في النمو العالمي. والواقع أن هذا المستخرَج الأحفوري، لم يعد فقط سلعةً لتأمين خدمات عادية، بل صار العمود الفقري للاقتصاد العالمي، ومحوراً رئيساً لصناعات متنوّعة في ما يعرف بالمنتجات البتروكيماوية ومادةً أولية لصناعات تحويلية مساندة، إلى تشكيله أحد عناصر صناعات التجميل والصيدلة وتأمينه أكبر خدمات نقلٍ عالمية جواً وبراً وبحراً وتحقيقه أوسع تبادل تجاري وتأمينه الخدمات للزراعة والصناعة والإنارة والتدفئة والاستخدامات المنزلية. وباختصار يدخل النفط معظم النشاطات الاقتصادية العالمية ويقتطع 36 في المئة من استهلاك العالم لنحو 12 تريليون طن مكافئ نفط في السنة (الغاز 24 في المئة، الفحم الحجري 28 والكهرباء 12). وإذا كانت فاتورة صادرات النفط العالمية قاربت نحو 3 تريليونات دولار عام 2008 (متوسط سعر البرميل 94 دولاراً)، تمثّل لوحدها أكثر من20 في المئة من قيمة التبادل التجاري السلعي على مدار الكرة الأرضية، إلا أنها تعزّز الاقتصاد العالمي وتدعم نمو صناعاته المميّزة نظراً إلى احتياجات البلدان المنتجة للنفط، إلى السلع الاستهلاكية والسلع المعمّرة والثمينة وتجهيزات البنية التحتية وتجهيزات الاستثمار في حقول النفط والغاز والطاقة والآليات لاستكشافه والتنقيب عنه. وإذا كان نصيب الاتحاد الأوروبي من فاتورة النفط العالمية 25 في المئة والولاياتالمتحدة 22 واليابان 10 والصين نحو 9، فإن هذه المجموعات والدول تحقق من النفط قيمة مضافة مضاعفة تغذي اقتصاداتها بها وتؤمن موارد مال إلى خزاناتها العامة جرّاء الضرائب المفروضة على مشتقاته فيما تلعب صناعة تكرير المشتقات وشركات خزنها وتوزيعها محوراً صناعياً مهماً. وتعتبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن كل زيادة من 10 دولارات على سعر برميل النفط تؤخر معدل النمو العالمي بنسبة 0.1 في المئة، لذا يتجه أعضاؤها إلى خفض استهلاكهم من النفط. والواقع أن البلدان الثلاثين الأعضاء في المنظمة تشكل 15 في المئة من سكان العالم وتنتج 51 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وشهدت بين عامي 2000 و2006 نمواً سنوياً بمعدل 2.6 في المئة ولم يحقق طلبها للطاقة سوى 0.8 في المئة نمواً سنوياً، ولكن معدل الاستهلاك لا يزال مرتفعاً لديها، ففي الولاياتالمتحدة يستهلك الفرد 8 أطنان مكافئ نفط في السنة و4 أطنان لكلٍ من والأوروبي والياباني. بينما يبقى النمو في بلدان الجنوب مرتبطاً بقوة بالطاقة، فخلال الفترة ذاتها ازدادت حاجتها بمعدل 4.8 في المئة سنوياً لتغذي نمواً بمعدل 6.4 في المئة على رغم أن معدل استهلاك الفرد متدنٍ إلى 0.3 طن في أفريقيا و0.4 في الهند و1.3 في الصين. ولا بد لشعوب هذه البلدان من الاعتماد على النفط لتحقق مستوى حياة أفضل نظراً إلى استخدامها آليات وتجهيزات تعمل بواسطة مشتقاته. وإذا كان العالم يراهن على ارتفاع سعر النفط لحماية البيئة وخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي يساهم النفط بنحو 36 بليون طن من أصل 50 بليوناً في السنة، فإنه يخسر الرهان، نظراً إلى الحاجة للنفط في الاقتصاد العالمي. وبالمقارنة فإن العالم يتجه إلى ما هو أكثر تلويثاً من النفط للبيئة، أي الفحم الحجري على رغم ارتفاع أسعاره. وقد ازداد استهلاك الفحم 726 مليون طن مكافئ نفط منها 593 مليوناً للصين والهند، في حين أن الطلب العالمي بلغ 1570 مليون طن من نحو6500 مليون إنتاجاً. علماً أن سعر طن الفحم تضاعف 4 مرات في خمس سنوات ليصل إلى 130 دولاراً، وفحم الكوك بين300 و350 في 2008 من 98 دولاراً في 2007، على رغم أن استخدامه يؤثر سلباً على التغير المناخي. لكن هذه الدول تسعى إلى تحقيق نوع من الاستقلال في حاجتها إلى الطاقة باستخدامها موارد وطنية لتخفف من قيمة فواتير محررة بالعملة الأجنبية. أما الطاقة المتجددة فلا تشكل أكثر من 14 في المئة، ولا تمثل الطاقة الشمسية سوى 0.1 في المئة. لذا يعتبر تحسّن سعر برميل النفط عالمياً وتحقيقه مستوياتٍ جيّدة مقبولة، دافعاً للنمو الاقتصادي العالمي ودعمه، على رغم مساهمته في ارتفاع معدلات التضخم وتالياً تعويض الأجور خسارتها.