«أنا داعشية قبل أن توجد داعش» هكذا صدمت إيمان البُُغا من يعرفها، فهذه الجملة هي عنوان كتاب أصدرته قبل ترك عضويتها في هيئة التدريس بجامعة الدمام، ورحيلها من المملكة إلى دولة «داعش»، مع أسرتها الصغيرة. فيما أعلنت أسرتها الكبيرة براءتها من تصرف ابنتها إيمان، بحسب تغريدة لأختها حنان، التي كتبت: «موقف إيمان لا يمثل موقف العائلة بكاملها، ولا رأي الوالد الدكتور مصطفى البغا، حتى أنها لم تستشره ولم تخبره». ويعد الدكتور البغا واحداً من أكابر فقهاء الشام، وعرف عنه خطه «الوسطي المعتدل». وأثار رحيل البغا موجة واسعة من الأسئلة التي ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي، والتعليقات على ما نشرته «الحياة» عنها أول من أمس، وبخاصة بين الأكاديميين السعوديين، الذين طالبوا بضرورة معرفة «السيرة الذاتية للأكاديميين الذين يتم استقطابهم من الخارج من جميع الجنسيات، خوفاً على فكر الطلبة الجامعيين»، لاسيما أن طالبات أكدن أنها كانت تنصحهن بقراءة سير الرسول والصحابة ومعارك المسلمين، ومتابعة أعلام المسلمين، وبعضهم على صلة ما بحركة «الإخوان المسلمين». وقالت الدكتورة بثينة اليوسف، وهي عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات السعودية، ل «الحياة»: إن ما يصدر عن أكاديمية تبيّن أنها «داعشية»، يقرع ناقوس خطر، ما يعني ضرورة زيادة الحرص على أبنائنا الذين يتلقون العلم على أيدي «داعشيين». وربما تكفيريين وغيرهم»، مستدركة أن «الأمر لا يتعلق بكونها سورية، فهناك سعوديون متشددون أيضاً، يغرسون في فكر أبنائنا أفكاراً لا يمكن تخيّلها، حول الجهاد المشروع، وكيفية محاربة الطغاة الفاسدين، علما بأننا جميعاً مسلمون». وعلقت اليوسف على كتاب البغا، قائلة: «هي داعشية قبل أن توجد «داعش»، ما يعني أنها متشددة، على رغم أنها تنحدر من عائلة فقهية معتدلة ووسطية، فكما سمعت عن ووالدها أنه من أكبر علماء الفقه في دمشق»، متسائلة: «هل يصلح من يتبنى الأفكار التي طرحتها البغا في كتابها أن يكون مربي أجيال وعضو هيئة تدريس، يحاضر أمام مئات الطالبات، بالطبع لا، فنحن لا نبحث عن متطرفين إرهابيين، ولا منفتحين فاسدين، فالمغالاة في الدين حرام، والابتعاد عنه وترك شريعة الله حرام كذلك»، متسائلة: «ما دور المقابلة الشخصية والسيرة الذاتية وغيرها من الأمور التي ينبغي التدقيق فيها قبل التعاقد، كي لا نستورد إرهابيين ونعيد تصديرهم أيضاً؟». فيما رفض الدكتور يونس عسيري، وهو عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات الحكومية، التعليق على ما نشرته «الحياة»، إلا أنه قال: «مؤسف ما قرأته حقاً». في الوقت الذي قالت عضو هيئة تدريس من جامعة الدمام (تحتفظ الصحيفة باسمها): «إن الدكتورة إيمان من صديقاتي المقربات، وكنت ألحظ فكرها المتشدد في الدين، والمغالاة والتطرف أحياناً، وكثيراً ما كانت تتحدث عن أهمية الجهاد، ومشاركة المرأة المسلمة فيه إلى جانب المجاهدين، وكثيراً ما لفت انتباهي فكرها». وأضافت: «حاولت مرات عدة مناقشتها والتخفيف من حدة وجهات نظرها، إلا أنها كانت ترفض ذلك بهدوء تام، وتتلو آيات قرآنية، وتتفوه بأحاديث فقهية، فكنت أتركها وشأنها، إلا أنها لم تفرض فكرها على أحد سواء من الأكاديميات أو الطالبات». شقيقتها حنان: لم تستشر والدها أو تخبره بما فعلت دوّنت شقيقة الدكتور إيمان البغا، حنان البغا تغريدة عبر معرفها في مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أكدت فيها براءة العائلة من موقف الدكتورة إيمان. وكتبت: «موقف إيمان لا يمثل موقف العائلة بكاملها، ولا رأي الوالد الدكتور مصطفى البغا، حتى أنها لم تستشره ولم تخبره». ويعد والدها الدكتور مصطفى ديب البغا الميداني الدمشقي الشافعي، من كبار علماء الشام، وتخرج في معهد التوجيه الإسلامي، الذي أسسه الشيخ حسن حبنكة الميداني، في 1959. ثم درس في كلية الشريعة بجامعة دمشق، لمدة أربعة أعوام، وتخرج فيها 1963، وحصل على الماجستير، والدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وذلك في 1974. وكان موضوع رسالة الدكتوراه: «أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي». كما خطب في مسجد الغواص بدمشق سابقاً، ثم مسجد زين الدين بدمشق. ولا يزال خطيباً فيه حتى الآن. كما أعطى دروساً في الفقه والحديث والتفسير وغير ذلك، في مساجد عدة بدمشق. الكتاب يحارب «جهاد المودرن»... ويدعو إلى القتال ب «قلة أدب» انتقد البعض تغطية «الحياة» لقضية الدكتورة إيمان البغا، من زاوية أنها وصفت عضو هيئة التدريس السابقة ب «التشدد» و«التطرف» وهذا خلاف الحقيقة، مدافعين عنها من هذه الزاوية، إلا ما تضمنه كتابها «كنت داعشية التفكير والمنهج.. أنا داعشية قبل أن توجد داعش»، يكشف حقيقة موقفها. ونقتطف منه بعض فقراته: «أعرف من وقتها أنه لا حل للمسلمين إلا في هذا الجهاد، ولم أجد في فعلهم وقولهم ما يخالف الإسلام في شيء، ولم يقنعني أحد بهم، وإنما أسمع وأتابع، وبخاصة أن نفسي لم تسمع الإعلام ولم تتشرب فكره الذي غذّى في بعضنا الذل، ووضع فينا الهيبة من عدونا والخوف من اتهاماته لنا وهو يقتلنا». وكان بعض من عرفوا البغا أشاروا إلى أن التلفاز غير موجود في منزلها لأنها تعتبره «حراماً». وتابعت البغا في نص آخر وصريح: «الآخرون يريدون جهاد الأعداء بالطريقة التي يطلبها الأعداء منا «جهاد مودرن» لا يدفع عدواً، ولا يرفع ظلماً، ولا يعيد لنا حقاً. في الواقع هؤلاء المودرن: يقولون للعالم بأنهم ليسوا مسلمين حقيقيين في أهدافهم. ولكن الله تعالى (الذي منه النصر) لن ينصرنا إن لم نكن مسلمين حقيقيين، وبنفس الوقت سيقتلنا عدونا فرادى وهو مطمئن»، مضيفة: «الله تعالى أمرنا بقتل المعتدين، فقال: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم..». وأن نجعل غير المعتدين من الكفرة يعيشون بأدبهم، فقال: «حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون..». وسألت في كتابها: «هل أحد منكم أيها المسلمون يرى ألا نقتل المعتدين، وأنه يصح أن يتعامل معنا الكفرة بقلة أدب من قتل وتنكيل وتشريد وو.. عندما لم يكونوا صاغرين يعطون الجزية: دمروا العالم، وداسوا كرامة الإنسان، وحكموه بالكفر والفساد، وعجنوا تراب الأرض بدماء المسلمين».