من المستطاع أن يكشف تحليل الاستفسارات التي تُطلب من محركات البحث ك «غوغل» و «بينغ» و «آلتافيستا» وغيرها، صورة مقلقة عن التداعيات المأسوية المتأتية من مزج وصفات طبيّة من قِبَل الجمهور، الذي لا يتنظر بعضه رأي الجهات المرجعية العلمية بشأن الأدوية. ورأت دراسة نُشِرَت أخيراً على مواقع طبيّة متخصّصة، أن بعض أشكال مزج الأدوية ربما يكون خطيراً. وأشارت الدراسة إلى أن الطرق التي يستعمل فيها الجمهور المعلومات المتوافرة في بيانات الأدوية، لا تخلو من الخطورة أيضاً، بل أن بعضها لا يُكتَشَف حتى في سياق تجارب سريريّة. وتمتلك غالبية الأدوية آثاراً جانبيّة، بعضها لا يُلاحَظْ إلا عندما تصبح هذه الأدوية متاحةً للجميع. وتندرج الآثار الجانبية الناجمة عن تفاعل دواءين، في هذا المسار. ففي غالبيّة الأحيان، تسعى تجارب الأدوية إلى تحديد آثار كلّ دواءٍ على حِدة. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن كثير من الأطباء لا يبذلون جهداً كافياً في تتبع الآثار الجانبيّة للأدوية المتمازجة. وفي عام 2011، أنجُزَت دراسة علميّة بالاستناد إلى التقارير الطبيّة التي يُصدِرها «المكتب الأميركي للغذاء والدواء» Food & Drug Agency الذي يُعرف باسمه المختصر «أف دي أي» FDA. وكشفت عن تفاعل بين دواءين، لم يكن مُلاحَظاً من قبل. وبيّنت أنه عند تناولهما سويّة، يتفاعل الدواء المضادّ للاكتئاب «باروكسيتين» Paroxetine، مع ذلك الذي يخفض الكوليسترول «برافاستاتين» Paravestin، ما يؤدي إلى ارتفاع قوي في مستوى السكّر في الدّم. وبعد التأكّد من صحّة هذا الاكتشاف عبر تجارب علميّة مضبوطة، شرع الباحثون الذين أنجزوا هذا البحث في التفكير بوجوب البحث عن مصادر أخرى للمعلومات الطبيّة، لم يجرِ الاستفادة منها. دور خارج التوقّع من جهة أخرى، عند دخول محرّكات البحث، يعمل «نظام غوغل لتوجّهات الإنفلونزا» على إظهار انتشار الإنفلونزا عبر تتبّع مصطلحات البحث المرتبطة بالإنفلونزا على الإنترنت. وأما إذا جرّب أحد أن يبحث في «غوغل» عن مزج الأدوية والآثار الجانبيّة المحتملة منها، كحال مزج «باروكسيتين» و «برافاستاتين» من جهة، وزيادة مستوى السّكر في الدم من جهة أخرى، فلربما يستطيع الباحثون تحديد الآثار الجانبيّة غير المتوقّعة للأدوية. على الأقل هذا ما أعلنه نيغام شاه أخيراً، وهو باحث في مجال المعلومات الحيويّة في جامعة «بالو آلتو» في كاليفورنيا. وأضاف شاه: «إذا ما كان كثير من الناس يشعر بالقلق إزاء ظواهر معيّنة، فعندها يشكّل هذا الأمر بحدّ ذاته، معلومةً قيّمة». وعلى رغم الميل الواسع إلى عدم إبلاغ الأطباء عن ردود الفعل السيّئة تجاه الأدوية، يتحدّث الناس دائماً عمّا يزعجهم بشكل عفويّ مع أصحابهم أو من يصادقونهم على شبكة الإنترنت، بحسب ما صرّح عالم الأحياء الحسابي نيكولا تاتونيتي، وهو اختصاصي من جامعة كولومبيا الأميركية، لم يشارك في هذه الدراسة. وقال: «في غالبية الأحيان، لا يدرك الناس ماذا يحصل فعليّاً. ويميل بعضهم إلى المبالغة في الحديث عن بعض العوارض التي يشعرون بها. ومن الممكن إدراج هذه المبالغة أيضاً في قائمة الأمور الطبيعية التي يميل الناس إليها بصورة تلقائية». لذلك، لجأ الباحثون إلى معلومات تملكها شركة «مايكروسوفت» العملاقة عن هذا الأمر. ومن المعروف أن متصفّح «إنترنت إكسبلورر» الذي تنتجه «مايكروسوفت» يجمع معلومات من مستخدمي محركات بحث أخرى، مثل «غوغل» و «بينغ» و «ياهوو»، في سياق عمليات متابعة البحث. وقدّمت «مايكروسوفت» قاعدة بيانات تشتمل على 82 مليون عملية بحث أجراها 6 ملايين مستخدم في عام 2010. وفي هذا الصدد، قام الفريق المعنيّ بالبحث، بتتبُّع المستخدمين الذين أدخلوا مصطلحي «باروكسيتين» و «برافاستاتين» أو كلّ على حدة، وذلك لتحديد إذا ما بحث المستخدم نفسه عن معلومة من نوع «ارتفاع السّكر في الدم» أو كلمات أخرى تصف عوارض هذا المرض، فلربّما يكونوا بحثوا عن مصطلح ك «جفاف الفم». وقبل أن يدرك أحد الآثار الجانبيّة الناجمة عن مزج الأدوية، تبيّن أنّ شخصاً من بين 10 أشخاص يبحثون عن كلا الدواءين المذكورين، كان يوسّع نطاق بحثه ويُدخل مصطلحات مرتبطة ب «فرط السكر في الدم» في محرّكات البحث، وهو ضعفا الأشخاص الذين يبحثون عن مصطلح «باروكسيتين» أو «برافاستاتين» على حدة، بحسب ما أعلنه الفريق في «مجلّة الجمعيّة الطبية الأميركيّة». كما نظر الباحثون في 62 طريقةً لمزج الأدوية، علماً بأنّ قرابة نصف هذه الطرق تُسبّب ارتفاعاً في مستوى السكر في الدم، على عكس النصف الآخر. واكتشف الفريق عينه أيضاً أنه في قرابة 81 في المئة من الحالات، ترافقت عمليّة استعمال البيانات بشكل صحيح، إلى نتائج مفيدة عما إذا كان مزج الأدوية يسبّب زيادة في مستوى السكر في الدّم أم لا.