الأحد 26/ 5/ 2013: إميل حبيبي «إميل حبيبي باق في حيفا»، شعار بالعربية والعبرية والإنكليزية، رفع اليوم في افتتاح ميدان باسم الكاتب والسياسي الراحل في مدينته حيفا، وأقيم احتفالان، رسمي تكلم فيه رئيس البلدية يونا ياهف ومحمود غنايم ونسيم كلدرون ورجا زعاترة وجهينة حبيبي - قندلفت، وقدم الموسيقيون حبيب شحادة وعلاء عزام ورنا خوري مقاطع ملحنة ومغناة من رواية حبيبي «سرايا بنت الغول»، واحتفال غير رسمي شارك فيه الكتاب محمود شقير ويهوشوع سوبول ومحمد نفاع والممثل محمد بكري. التقينا إميل حبيبي (1921 - 1996) مرات عدة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، سمعنا، نحن قرّاءه، تفاصيل الصمود الفلسطيني في حيفا، المدينة المتوسطية التي لا تزال، بفضل حبيبي ومجايليه المناضلين، مدينة التعددية العصية على التهويد واللون الواحد. هذه التفاصيل كتبت عنها أوكتافيا نصر ما يشبه التحية: «لسبب ما كانت حيفا دائماً قاسماً مشتركاً، وظلت تتسلل إلى عالمي، مقدمة نموذجاً عما يمكن أن يبدو عليه العيش المشترك بين العرب والإسرائيليين، إنما أيضاً عن الانسجام بين المسيحيين والسنّة والشيعة والدروز والبهائيين واليهود. وخلال زيارة قمت بها أخيراً لتلك المدينة العظيمة، أدركت أن حيفا هي فعلاً رمز للتسامح والتعايش، فعلى رغم أن الفلسطينيين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية على مستويات عدة، فهم يتقنون سبل استخدام المنظومة القائمة بما يصب في مصلحتهم، ويشاركون بفعالية في مختلف جوانب الحياة من أجل تعزيز تراثهم العربي وهويتهم الفلسطينية. علمتني حيفا أن القضية المحقة لا تموت إذا استمر أصحابها في الكد والاجتهاد من أجل تحصين أنفسهم والمضي قدماً في الحياة من دون الخضوع للترهيب أو محاولات الاستقواء عليهم». حيفا، إميل حبيبي المتعددة، تنافس بيروت وتحاول تجديد زهو الإسكندرية، لكن ما ينغص هو المسعى الحكومي والشعبي من أجل التهويد، والذي يترافق مع نزعات التعصب والتحامل التي تجتاح المجتمع الفلسطيني، خصوصاً في غزة، التي تقدم حكومتها نموذجاً لكبت الحياة ومحاربة الآداب والفنون والحد من حرية الرأي، وآخر «مآثرها» محاكمة وزير الثقافة السابق إبراهيم ابراش بتهمة كتابة ونشر مقال يعترض على زيارة الشيخ يوسف القرضاوي القطاع، وما تسرب عن تهديدات تلقاها المغني الهاوي محمد عساف لينسحب من برنامج «آراب آيدول» الذي تبثه قناة إم بي سي، ويلقى فيه عساف نجاحاً وتعاطفاً من محبي الغناء العربي، ينسحب بالضرورة تعاطفاً مع غزة ووطنه فلسطين. حيفا المتعددة تكرم إميل حبيبي، فيما تنحدّر المجتمعات الفلسطينية والعربية والإسلامية «المقاومة» و «الممانعة» إلى مستوى يطفئ جماليات العيش ويخنق البشر. الاثنين 27/ 5/ 2013: الشاطئ وأنا كنا اثنين على الشاطئ فأصبحنا بعد هياج الموج واحداً. لم أدرك أن البحر لا يطيق المزاحمة، يدفع المزاحمين أو المزاحمات إلى الغرق، ليبقى اثنان على الشاطئ: بحر وحيد وإنسان وحيد. الاثنان معاً يكتملان حتى إذا كان ثالث لا يكون، وقد يهرب بسرعة الذكي لئلا يغرق مثل غبي. الثلثاء 28/ 5/ 2013: الشدراوي المحاصر يعقوب الشدراوي، أبرز المخرجين المسرحيين اللبنانيين تعاملاً مع النص الأدبي، انسحب من الخشبة بسبب المرض وودع الحياة تاركاً بصمته على المسرح اللبناني الطليعي. هذا المسرح واكب حلم الستينات وقدم أعمالاً موضوعة ومترجمة وأرسى تقاليد مسرحية تعادل تقاليد الأدب والموسيقى في بيروت التي كانت، ولا تزال إلى حد ما، عاصمة ثقافية للمشرق العربي ونقطة اتصاله بآداب أوروبا وفنونها المتجددة. مشهدان ليعقوب الشدراوي: 1 - رؤيتنا مسرحيته «أعرب ما يلي» عام 1970. كنا في مطلع الفتوة وفي وهج عشق الفن والأدب والإقبال على الجريب، على الأقل في النص الإبداعي. استندت المسرحية إلى نصوص من أنسي الحاج ومحمود درويش وأدونيس وجورج شحادة. وحده نص شحادة كان جاهزاً للعرض، أما الأخرى فقد أهّلها الشدراوي للخشبة مستخدماً المونتاج ووعيه العميق بأن الشعر والدراما يلتقيان في الجوهر. رجل العلاقة بين المسرح والأدب، أتاه هذا الميل من مزاج شخصي كما من دراسته في روسيا حيث لا انقطاع بين الفنين. وهنا، نلتفت إلى أن خريجي الاتحاد السوفياتي في مجال المسرح لم يكونوا غرباء عن مسرح العالم الحر. وحده هذا الفن كان يوحد وربما يشاركه أدب المنشقين شعراً ورواية. 2 - أثناء حصار الجيش الإسرائيلي بيروت صيف 1982، كان الشدراوي صامداً في منزله في منطقة الحمرا، حينها ضاقت المدينة جغرافياً واتسعت إنسانياً على العالم الواسع المناهض للاجتياح والمتعاطف مع لبنان والقضية الفلسطينية. في آخر أيام الحصار بعث ياسر عرفات برسالة وهدية إلى يعقوب الشدراوي، أخبرني بذلك الفنان الصديق عبيدو باشا. إنه أحد تجليات عرفات، صلته الخاصة بالمبدعين الفلسطينيين والعرب. الأربعاء 29/ 5/ 2013: ما هذا البكاء؟ يودعونه بالبكاء ويودعهم بالفرح طالباً أن يكفكفوا الدمع ومقدماً المناديل. كان الفصل ربيعاً والسماء الصافية تتزين بالدانتيل الأبيض. لقاء مثل عرس، وهو العريس يحضن الناس أجمعين لا أهله الأقربين وحدهم. والكون أهله الحقيقيون، لذلك يقيم وداعاً هنا واستقبالاً هناك. وفي المكان البعيد سيحتفلون به ويقولون إن العالم يوحده الفرح وتفرقه الأحزان. ومثلما هي الطبيعة يغضب الإنسان، لكنه في النهاية يبتسم. وتساءل في نفسه: من يضمن أن أهله الأقربين سيواصلون فرح وداعه ولا يعاودون بكاءهم. لطالما حسبوا البكاء رقة فإذا هو الغلظة حين يعتمدونه نهج حياة، فمن يبكي قليلاً يكون بكاؤه حقيقياً، ومن يبكي كثيراً فإن قناع الحزن مجرد غطاء لغلظته وغضبه وأحياناً لعدوانيته. في بلاده الأصلية التي ودعها يتعارك الحق والحق، وأهل البكاء المحترفون يختلط دمعهم بدمهم، فلا يدري هل يأسى لهم أم يرى أنهم نالوا جزاء بكائهم الكاذب. لكنه يذكر جيداً رسالة شاب من بلاده الأصلية تتضمن وصفاً لسلبيات البكاء، ففي نظر الشاب أن الباكي واحد من اثنين، إما صادق فلا يستطيع مع البكاء عملاً وإنتاجاً وتصل به الحال إلى الشلل كإنسان ويبدو عيشه أشبه بموت غير معلن، وإما أن يكون الباكي كاذباً فهذا يعني قمة الازدواجية وقدرة شيطانية على تجاوز الإحساس الإنساني نحو نفعية تسرق عواطف الناس بعدما سرقت أرزاقهم. لقد غادر بلاده لكنها تشده إليها برسائل تصف أحوال الناس حين يتعرضون لضربات الحاضر والماضي فلا يدرون في أي زمن يعيشون، ولا يهنأ لهم عيش في الطبيعة مع كائناتها الحية، وفي المجتمع العالمي الذي يتقارب على قاعدة التنوع وصدق الاعتراف. الخميس 30/ 5/ 2013: الوطن المقلوب لا تصدق بيروت خوفها. يدهشها خوفها. ليس ذاكرة من ماض مضى وانقضى. إنه هنا بحرارته يفاجئنا. الخوف المقيم الذي ودعناه وتأكدنا من رحيله. الخوف الكامن فينا، نحن العطاش دائماً نرفع الأيدي ونفتح الأفواه لنرتشف المطر المسموم. تصدق بيروت خوفها، ويصدق لبنان كله. وطن البيوت الأنيقة ذات المداخل البشعة. ألا بد للوصول إلى الترتيب من عبور الفوضى؟ للوصول إلى الصمت من عبور العواء؟ للاسترخاء في الموسيقى من عبور الطبول الناشزة؟ هنا في الوطن المقلوب، يغيب الحب وتحل المعاشرات السريعة، أو أنه الحب سريعاً كالبرق من بعده رعد وشتاء ورجفة شيخوخة.