اتجهت مظاهرة النساء يوم 5 أكتوبر عام الثورة الفرنسية 1789 إلى قصر «فرساي»، حيث الأسرة الملكية الفرنسية تقيم، وعلى رأسها الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت، فكانت من أغرب أحداث الثورة وأكثرها ذكاءً، فهي عدا عن كونها أول مظاهرة نسائية في التاريخ، استطاعت أيضاً القبض على الملك وزوجته ونقلهما إلى باريس، فالثورة مشتعلة في بؤرة التمرد باريس، والملك بعيد ولا يزال يحتفظ بشرعيته مع بقية أفراد أسرته، ما يتيح له التآمر على المنقلبين، ومن هنا جاءت الفكرة لثوار فرنسا في تشكيل المظاهرة النسائية، فالملك لن يأمر بإطلاق الرصاص على النساء، وحتى لو تجرأ فمن الصعب أن يستجيب له جنوده، فليس من الشجاعة ولا الفروسية ولا العسكرية توجيه البنادق إلى صدور النساء، ومثل هذا التصرف لو أنه حدث يكون في حقيقته عاراً لا يمحى، فكان لا بد للمظاهرة أن تنجح، وقد كان، إذ تقدمت النساء بكل ثقة، واندس بينهن الرجال الذين نجحوا في اقتياد الأسرة المالكة إلى باريس ومنها إلى قصر «التويلرى» المهجور من مئة سنة، فحجزوا بإمرة الإقامة الجبرية، ليعدم الملك بعد حوالى العامين، وتلحقه زوجته أنطوانيت بعد ثلاثة أعوام من بداية الثورة، فيكون ما أشيع عنها من قولها للمتظاهرات اللاتي طالبن بالخبز «كلوا بسكويت»، مجرد قصة شعبية لا تعدو عن أن تكون ضمن فلكلور الثورة، فرغم أخطاء أنطوانيت الفادحة، إلا إنها كانت مثقلة بالهموم والإحساس بهول المأساة التي تحيط بها وبأسرتها، فلم تكن تملك من الرفاهية ما يسمح لها بنطق مثل تلك العبارة الهازلة. كلمة أخيرة: أي امرأة لا تفكر إلا باللهو والترف والإنكباب على الدنيا والبعد عن التفكير في الأمور بشكل يتجاوز قشورها، غالباً ما تنتهي بخاتمة تشبه نمط الحياة الذي عاشته، وقد نرى المرأة فلا نلاحظ عليها مظاهر الثمن المؤجل الذي بدأت تسدد فواتيره للزمن، ولكن هل أحطنا بالصورة بجميع جوانبها؟! فما أدرانا عن نفسيتها! عن لياليها الموحشة! عن شعورها بعدم الأمان وأين حط رحاله! عن نظرتها الشخصية لتاريخها وتقييمها له! عن حبها! عن أرباحها وهزائمها! فنحن لم نر غير وجهها فحكمنا عليها، ثم ولم الحكم من أساسه! هل نشعر بالرضا أكثر إذا انتقدنا وسردنا النظريات في الواجب والمفروض، وخاصة إذا كان الموضوع مرتبطاً بالمرأة! يقول فولتير: «خُلقت المرأة لتشعرنا بمعنى الحياة»، وهي حكمة تحمل قيمتها، فالرجل خُلق ليحب المرأة بكل ما فيها، وحين يلامسه الحب فإنه يكتشف نفسه معه، وكذلك المرأة في حبها للرجل، فلم وقد خلق أحدهما ليكمل الآخر، يطعن هذا الآخر في نصفه الآخر! هل تكون معضلة الرجل مع المرأة أنه يصغي إليها ولا يفهم معنى مفرداتها! ومع هذا وللإنصاف لا نملك سوى أن نردد مع شكسبير: «بعض النساء يولدن عظيمات، وبعضهن ينتحلن العظمة، وفريق ثالث يغتصبها». وقالوا: «الحياة أضعف من الموت، والموت أضعف من الحب» جبران خليل جبران [email protected]