«يشكو الناس من بطء العدالة ويتساءلون - ولهم الحق في ذلك - ما سبب بطء العدالة؟ لماذا تعجز المحاكم عن إنصاف الذين يلجأون إليها في وقت مناسب فتريحهم؟ لماذا تكثر القضايا إلى الدرجة التي تثقل كاهل القضاة فلا يستطيعون أن يفصلوا فيها في وقتٍ معقول؟» هذه التساؤلات المنزعجة لم تحرر بقلم قاضٍ سعودي، بل كتبها أحد قضاة دولة عربية اقتبست منها المملكة الكثير من أنظمتها - ومن ضمنها الأنظمة القضائية. واللافت في الأمر أنه مع وجود المشكلة نفسها في البلدين تطرح الحلول نفسها المجربة من قبل بلا جدوى، فهذا القاضي يَردُ في مقالته على الذين يعتقدون أن رسوم التقاضي قليلة لدرجة أنها تشجع الناس على الشكاية أمام المحاكم في القضايا التافهة، وأن الحل في رفع قيمة رسوم التقاضي، مجيباً على هؤلاء: بأن أوضاع المحاكم المتردية لا تشجع الناس على التقاضي أمامها، بل لا يلجأون إليها إلا بعد أن تتقطع أنفاسهم من المطالبة بحقوقهم بالسُبل الودية. أتذكرُ وأنا أقرأُ كلام هذا المجرب الحكيم الكثيرَ من الأطروحات التي تُقترح لحل مشكلات معينة في بلدنا وقد سبقنا إليها غيرنا، ولم تفدهم في شيء سوى تعقيد أوضاعهم بانضمام معضلة جديدة. أظن أنه من الحكمة التَرشُد في الاقتباس من تجارب الدول الأخرى، وعدم الانسياق للوهج الإعلامي الذي يرافق الإعلان عنها، فطبيعة الهيكلة الإدارية للدولة ونقاط التماس بين السلطات الثلاث لا يمكن أن تتفق بين دولتين، بل قد تتفق مسميات بعض الأجهزة الحكومية في بلدين وتختلف في اختصاصاتها ومؤهلات العاملين فيها. الأنظمة في كل بلد هي كالبصمة الخاصة بها، فوجود التشابه لا يعني انعدام الفروقات، بل عند المقارنة بين البصمات يتركز الاهتمام على نقاط الاختلاف من دون نقاط التطابق، وهو ما تجب مراعاته عند الاستفادة من الأنظمة الأخرى. لا غنى لنا عن إنجازات الآخرين، ولكننا مكتفون بإخفاقاتنا، وتمام العقل هو في تمييز حسن الأنظمة من رديئها، وآثارها السلبية والإيجابية بعد تطبيقها. وإذا أردنا مثالاً يثبت لنا أن من التجارب والخبرات ما لا يحسن نقله إلى بلد آخر، فأنسبها الخبر الذي نشرته الصحف قبل فترة بعنوان «السفير الكويتي يطلع على التجربة السعودية لتوفير السكن المناسب للمواطنين»!. * القاضي بديوان المظالم سابقاً. [email protected]