هل تعلمون كم هي الحقوق التي تضيع على الناس خلال مراحل التحقيق أو التقاضي؟ كثيرة جدا، بل وأكثر من أن تحصى؛ ليس لأن المحققين أو القضاة ظلمة لا سمح الله، ولكن لأن الناس أنفسهم يجهلون كيفية المطالبة بحقوقهم، ولا يعرفون الطريقة المثلى لتقديم دفوعاتهم أمام المحقق أو أمام القاضي، والثقافة الحقوقية لدى غالبية المجتمع السعودي تحت الصفر، وبعضهم تضيع حقوقهم أمام المحققين أو القضاة نتيجة رهبة الموقف أو ضعف شخصية المتهم الذي يتلعثم أو لا يحسن الإجابة المباشرة على الأسئلة الموجهة إليه فيعطي للمحقق أو للقاضي انطباعا خاطئا عنه وربما تنقلب القضية برمتها ضده نتيجة لفظ معين أو سلوك قد يفسر خطأ، ناهيك عن أن 90 في المائة وربما أكثر ممن يحقق معهم أو يمثلون في ساحات القضاء لم يسمعوا عن الأنظمة والقوانين ولا يجيدون استثمارها وفي الغالب لا ينبهون إليها وهذا بحد ذاته خطأ جسيم. وفي الوقت الذي يكفل النظام فيه للمتهم حق توكيل محام للدفاع عنه وعلى المحقق أو القاضي إشعاره بذلك قبل التحقيق أو المحاكمة لا يحدث ذلك إلا في حالات نادرة جدا، وإذا ما لجأ المتهم إلى محام للدفاع عنه اصطدم بصخرة المبالغ الفلكية التي يطلبها المحامون والتي قد تصل إلى مئات الآلاف عن قضايا بسيطة لا تستحق أن يتقاضى المحامون عنها كل هذه المبالغ الفلكية بالنسبة لأغلب المتهمين في ظل الغياب التام لنظام يحدد أتعاب المحاماة عن القضايا على حسب كل قضية «والساعة بخمسه جنيه والحسابه بتحسب». في معظم دول العالم إذا قبض على المتهم فإن أول ما يتلى عليه حقوقه قبل أي إجراء ويقال له ويفهم بأن «أي كلمة يقولها قد تستخدم ضده في المحكمة، وأن من حقه توكيل محام للدفاع عنه، وإن لم يكن لديه محام فإن المحكمة أو جهة التحقيق ستنتدب له محاميا يدافع عنه على نفقة الدولة». لماذا لا يطبق هذا النظام لدينا؟ لماذا لا يوجد محامون في المحاكم موظفون رسميون مهمتهم الدفاع عن المتهمين الذين يعجزون عن توكيل محامين للدفاع عنهم؛ حفظا لحقوق المتهمين من الضياع نتيجة جهلهم بالأنظمة والقوانين أو ضعفهم وضعف ثقافتهم الحقوقية؟ هذا ليس بمستحيل ومعمول به في معظم بلاد العالم، ما الذي يمنع أن يعمل به عندنا فنحن أولى الناس بمثل هذا النظام العدلي العادل أن يطبق ولا يوجد ما يمنع كل ما نحتاج إليه قرار يفعل الأنظمة الموجودة بالفعل ويتجاهلها موظفون يستغلون جهلنا بالأنظمة وضعف ثقافتنا الحقوقية فزادوا على صلاحياتهم «ما دام ما أحد يشتكي.. خل الدرعا ترعى»، وهذا في حق الناس لا يجوز وهو ظلم «والظلم ظلمات يوم القيامة». الدولة لم تأل جهدا في سن الأنظمة والقوانين التي تحفظ حقوق الناس من منطلق شرعي كامل، وعلى الجميع احترامها وتطبيقها كما هي بلا زيادة أو نقصان، فعندما يتعلق الأمر بحقوق الناس تصبح «الزيادة أخت النقص» سيان لا فرق بينهما كلاهما ضرر وكلاهما مخالف للنظام وللشرع تحت أي ذريعة كانت. [email protected]