كانت البداية، حين قررت الإعلامية ربى النجار، تخصيص برنامج التحقيقات التلفزيونية الذي تعده وتقدمه تحت اسم «عين على» عبر فضائية فلسطين الرسمية، عن المتسولين، فتنكرت في ثياب سود، وزاحمت إحدى المتسولات في مكانها الذي تجلس فيه منذ زمن، وهنا كانت المفاجأة التي كشفتها عدسات مصوري البرنامج، وتتعلق بتورط عامل في البلدية، وشخص ادعى أنه شرطي وأشهر سلاحه، في ما يمكن وصفه ب «مافيا التسول» في مدينة رام الله في الضفة الغربية، إضافة إلى مساعي أحد المارة لإقامة علاقة غير شرعية معها! لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فبعد بث الحلقة، تعرضت النجار إلى تهديدات هاتفية وخطية وعبر وسائط إلكترونية، وصلت إلى حد التلويح باغتصابها وقتلها، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ونقابة الصحافيين الفلسطينيين. ووعد محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، ومدير شرطة محافظة رام الله والبيرة المقدم عمر البزور، بفتح تحقيق في الأمر، علماً أن المتسولة عبّرت عن غضبها، وتوعدت النجار بشكواها إلى شخص مجهول يدعى «أبو جمال»، يبدو أنه زعيم «المتسولين»، أو من يدير أمورهم في رام الله، أو على الأقل في الشارع الرئيس منها، المعروف شعبياً باسم «شارع ركب». وقالت النجار حول هذه الحادثة: «تعرضت لتهديدات هاتفية، وعبر أشخاص معروفي الهوية، وهناك مجموعة من الجهات لم تشأ بث الحلقة على شاشة تلفزيون فلسطين إن لم نحذف المقطع المتعلق بتورط الموظف البلدي والشرطي. قد يُعتبر هذا فساداً من أفراد، لكنّ المصيبة أنهم ينتمون إلى مؤسسات رسمية أو شبه رسمية، والمصيبة الأعظم أن بعضهم يعمل في أجهزة أمنية، لكنّ ردود فعل القائمين على المؤسسات الأمنية وغيرها من تلك التي يعمل فيها المتورطون كانت إيجابية جداً، وتمكنوا من التوصل إليهما وإلقاء القبض عليهما». وبعد أن أشادت بشجاعة جميع العاملين في «عين على»، أضافت النجار: «رفضت إجراء أي تنسيق مسبق مع أي جهة رسمية قبل النزول إلى الشارع، وما حدث معي كان مفاجئاً لي كما كان مفاجئاً للجمهور. ففي مثل هكذا تحقيقات لا يمكن التكهن بالنتائج، وهي تبدأ بالتحضير، ومن ثم الاستكشاف، من دون توقع السيناريوات والنتائج، وأخذت التحضيرات الكثير من الوقت». وشددت على الدعم الكبير الذي تلقته من إدارة التلفزيون، وبخاصة رئيس الهيئة أحمد الحزوري، على مستوى الحرية، والتحصين من التهديدات. هذه التهديدات كانت صريحة قبل أيام، حين اكتشفت والدة ناصر أبو ميالة، أحد المصورين في البرنامج، حقيبة عند مدخل منزل الأسرة في رام الله، في داخلها قنبلة ورسالة تهديد لفريق عمل البرنامج، ما استدعى اتصالها بالأمن الفلسطيني الذي أبطل مفعول القنبلة، وسط إصرار ربى النجار وفريق العمل على عدم الانصياع لرغبات المهددين بعدم بث حلقة الأحد، موعد البرنامج كل أسبوع، وكانت حول «العرافين»، أو العاملين في «العرافة»، ويصفهم بعضهم ب «الدجالين»، في حين صدر بيان عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، يدين ما حدث ويحدث للنجار وفريق عملها في «عين على». ومع طرحها مواضيع جريئة في الموسم الأول من «عين على»، إلا أن حلقات الموسم الثاني لم تمر بسلام، بخاصة أن النجار اقتحمت ما يمكن وصفه بحقول ألغام قلّ من يجرؤ على اقتحامها، مثل استئصال الأرحام، وكواليس مستشفى الأمراض العقلية، ورواتب الأسرى، قبل حلقتي «التسول» و «العرافين». وذكرت النجار في حديثها إلى «الحياة» أن التحقيقات جارية، وتتمنى التوصل إلى نتائج، وقالت إنها مستمرة في برنامجها على رغم انسحاب بعض العاملين فيه، وطلب البعض عدم نشر اسمه في الجينيريك، مشددة على أنها تبرر مثل هذه المواقف، «لكن التهديدات لن تمنع «عين على» من الظهور على شاشة تلفزيون فلسطين بالجرأة والوتيرة ذاتهما».