أكّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس موافقته على قرار النائب العام المتعلق بوقف بث كوميديا «وطن ع وتر»، عبر شاشة تلفزيون فلسطين، على رغم احتجاج عدد من المثقفين والفنانين والمؤسسات الحقوقية وفصائل منظمة التحرير، باعتباره «قمع للحريات وتكميم للأفواه، وضرب لمسيرة الديموقراطية». وقال في تصريحات صحافية نقلتها صفحة «وطن ع وتر» عبر «فايسبوك»، ونشر قبل أيام: «هذا البرنامج يذاع منذ ثلاثة أعوام، وأول حلقة منه انتقدتني، وقد سعدت وقتها لأن ذلك كان انعكاساً لأجواء الحرية، ولم يلبث البرنامج أن تعرض لكل القيادات، لكن القائمين عليه تعوزهم الخبرة وليس لديهم من يكتب لهم، ولأن البرنامج كوميدي فإنه يحتاج إلى كاتب محترف ليكتب كلاماً ينتقد من دون أن يجرح». وأضاف: «نبهت ياسر عبد ربه المسؤول عن التلفزيون الفلسطيني أكثر من مرة إلى أن البرنامج يقع في الإسفاف في بعض الأحيان، وإنه حبذا لو تم الابتعاد عن هذا الإسفاف. فإحدى الحلقات تعرضت لرفيق النتشة رئيس هيئة الكسب غير المشروع وقيل في البرنامج إنه عين أقاربه في عدد من الوظائف هنا وهناك وهذا كله كلام غير صحيح، يستخدم في سياق النكتة لكنه يبقى غير مقبول». وفي رده حول ما إذا كان مع منع «وطن ع وتر»، أجاب الرئيس: «منذ بداية رمضان نبهت الإخوان إلى ضرورة مساعدتهم في الكتابة لتخرج الحلقات في شكل مغاير... برنامج «وطن ع وتر» اتجه نحو الإسفاف كثيراً، ولهذا أوقفه النائب العام، وأقسم بالله إنني لم يكن لدي أدنى فكرة عن الموضوع بل كنت وقتها في سراييفو.. في العادة يبلغني النائب العام بما يريد الإقدام عليه من خطوات، ولكن هذه المرة أخذ إجراءه من دون أن يخبرني، وقد قبلت الإجراء كما حدده. ونفى عباس أن يكون ياسر عبد ربه، رئيس مجلس إدارة هيئة إذاعة وتلفزيون فلسطين، يستغل البرنامج لمحاربة الشخصيات التي تخالفه، وقال: «لا... ياسر عبد ربه لا يستغل هذا البرنامج ولا يطّلع حتى على ما يعرضه، وعندما كنت أسأله عن بعض حلقاته كان يقول لي إنه لم يشاهده». اللافت أن الرئيس، كان استقبل فريق «وطن ع وتر» في مقره في مدينة رام الله (المقاطعة)، قبل عامين، وأشاد حينها بالأداء المتميز لطاقم عمل المسلسل وبالنقد الهادف الذي قدمه للجمهور الفلسطيني والعربي في قالب كوميدي. وأعرب عباس في الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) في الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) 2009، عن أمله في أن يساهم هذا العمل في إثراء المشهد الفني الفلسطيني، مؤكداً دعمه للأعمال الفنية والثقافية المحلية المتميزة. وكانت وكالات أنباء عالمية نقلت عن ياسر عبد ربه، تصريحات مفادها أن الرئيس عباس ضحك كثيراً وكان سعيداً وهو يشاهد حلقة جديدة من البرنامج، والتي قلّد فيها الممثل عماد فراجين الرئيس بطريقة فكاهية أثناء «ترؤسه مؤتمر حركة فتح السابع المنعقد في حي الياسمين في نابلس، بعد مرور 500 سنة على عقد المؤتمر السادس في بيت لحم»، وكان ذلك في الموسم الأول ل «وطن ع وتر». وظهر فراجين، كاتب النص وأحد الممثلين الرئيسين، وهو يؤدي بصورة فكاهية خطاباً مفترضاً للرئيس في المؤتمر ويقول: «أنا ما في عندي تكتكة «إطلاق نار»، أنا عندي مفاوضات ثم مفاوضات ثم مفاوضات، واللي بدو يتكتك عندي بتكتكو». وقلّد فراجين في نهاية «المؤتمر المفترض»، الرئيس الفلسطيني وهو يبحث عن بطاقته الممغنطة وتصريح المرور من الإسرائيليين، في إشارة إلى بقاء الوضع السياسي في المنطقة على ما هو عليه حتى بعد 500 سنة. واعتبر عبد ربه هذا البرنامج نقلة نوعية في سياق الحرية الإعلامية، بخاصة أنه يبث عبر تلفزيون فلسطين الرسمي. وقال: «مستوى الحرية الإعلامية مرتفع لدينا، وهذا البرنامج دليل على ذلك، والمطلوب الآن نقل الحرية الإعلامية إلى المستوى السياسي، بمعنى إيجاد الحرية السياسية». وجاءت ردود فعل غاضبة عبر صفحة «وطن ع وتر» على «فايسبوك» على تأييد الرئيس قرارَ النائب العام بمنع الكوميديا التي حصدت جوائز عربية. وقالت الشابةالفلسطينية سلام حداد: «الرئيس عباس ضد الفن والفنانين... نحن نشهد الثورات العربية بالملايين، وهو يهاجم «وطن ع وتر»، والفنان عماد فراجين». في حين قالت أمل بكرا: «هذا القرار يؤكد أننا ذاهبون إلى نظام قمعي وبوليسي... قرروا إعدام البعض سياسياً، والآن إعدام «وطن ع وتر»، والله أعلم الدور الجاي على مين»... وقال آخر: «الرئيس بهذا يدق المسمار الأخير في نعش وطن ع وتر». وعلى رغم ذلك يبدو أن فريق كوميديا «وطن ع وتر» لن يرضخ بسهولة لقرار النائب العام الفلسطيني بوقف بثه عبر شاشة تلفزيون فلسطين، منذ مساء السابع عشر من رمضان، إذ خرج بسلسلة فنية للاحتجاج على القرار الذي أجمع على عدم قانونيته، خبراء في القانون والمؤسسات الحقوقية... أبرزها كان عبر الفيديو الذي خرج فيه عماد فراجين وزميلته منال عوض، عبر شاشة تلفزيون فلسطين نفسها، وعلى مدار أكثر من يوم. وفي المشهد المتلفز الذي حمل عنوان «وطن ع وتر في ذمة مجهول»، ومدته قرابة الأربعين ثانية، يخرج الفنانان عماد فراجين ومنال عوض من داخل كهف مكممي الأفواه، بينما يضع فراجين يديه على رقبته، وتضع عوض يديها على عينيها، ومن ثم على أذنيهما، قبل أن يحتضن كل منهما نفسه كمن يرتعد من الخوف، على خلفية موسيقى جنائزية، في إشارة إلى ما يمكن أن يؤسس له قرار النائب العام بحجب «وطن ع وتر» عن شاشة تلفزيون فلسطين، ليعودا بالأفواه المكممة ذاتها رافعين لافتة كتبت عليها كلمة «راجعين». ويقول الفنان عماد فراجين ل «الحياة»: «في حلقة سبقت المنع بأيام تحدثنا عن إمكان منع المسلسل، وقدمنا في شكل ساخر إمكان أن نقدمه بلغة الإشارة، ومن ثم بنظرات العيون، وحدث المنع... هذا الفيديو يندرج في الإطار ذاته. الرسالة التي يريد إيصالها واضحة جداً، وهي أننا «ممنوعون من الكلام ومن حقنا في التعبير، وأن المسلسل لا يزال في ذمة مجهول، بمعنى أننا لا ندري إن كنا سننجح في العودة مجدداً أم إنه قرار بإعدام المسلسل». وشدد فراجين على تحدي قرار النائب العام بمزيد من الفن، وبأنه لن يتنازل عن حقه في التعبير عما يعانيه الشارع الفلسطيني، مفضلاً عدم التعقيب على تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مكتفياً بوصفه بأنه «أب لكل الفلسطينيين».