«كن جيداً وستكون وحيداً» كتب مارك توين هذه الجملة على صورة فوتوغرافية التقطها أثناء رحلته حول العالم، وافتتح بها كتابه «بعد خط الاستواء» 1897. وستتعب، وسيُساء فهمك، وسيخطؤون حين يقتبسون منك و... هل قال أنك ستصبح وحيداً؟ لكن سيكون لديك الكثير من القصص لتحكيها. حين تبرع في فن القصص، ستكون سيد الحياة. الكتابة ليست مجرّد كتابة. أنت تعيد صنع العالم على ورقة. الكتابةُ في أصلها فنٌ لخلق واقع أكثر ملاءمة لنا. ستتعلم أن تفعل ذلك، وسيكون بإمكانك أن تغيّر الأشياء ابتداء بالجذور. كان يعمل في مناجم الذهب، وبعد أن فشل في هذه الوظيفة انتقل «أشهر الكتّاب الساخرين في عصره» أو «أبُ الأدب الأمريكي» كما كان يسميه ويليام فولكنر إلى الصحافة. النوع الآخر من المناجم الأكثر خطورة والأكثر تهديداً للحياة، إذ يُستبدل الذهب بالكلمة. لقد وجد كنزه: «وهنا بعض النصائح الطريفة من أجلك ومن أجلي، لتقودنا معاً في رحلتنا نحو الوحدة والرضا أيضاً، في رحلة استنشاق حياة جديدة من كلمات قديمة». لي كامل الحرية في إساءة فهم أقوال مارك توين بطريقتي الخاصة، وفي ترجمة عصره ال19 ليساعدنا في مواجهة أشباح كتّابنا المتعبين في ما بعد حداثتهم. القواعد: أولا: «القواعد التي تسيطر على الفن الأدبي تتطلب منك أن تخلق شخصيات حيّة في قصصك، إلاّ في حالة واحدة، عندما تصبح جثثاً. وفي هذه الحالة يجب أن يكون القارئ قادراً على التفريق بين الجثث والأحياء». الترجمة: لو تثاءب القارئ من قصتك، أو مات بالشيخوخة في الزمن الذي يقضيه لقراءتها، فهي قصة لا تستحق أن تُحكى. ثانيا: «حين تقبض على كلمة وصفية ما اقتلها، كلا أنا لا أعني ذلك تماماً، لكن اقتل غالب ما تحصل عليه، وما يبقى سيكون جديراً باستخدامه. الكلمات الوصفية تضعف حين ترصها بجانب بعضها، وتقوى حين تتباعد عن بعضها البعض. إن استخدام الكلمات الوصفية المزخرفة والمنمقة بكثرة سيصبح عادة. وحين تربط هذه العادة حزام أمانها على شخص ما، لن يفلت منها بسهولة، كما لن يفلت من غيرها». الترجمة: الأقل أكثر اخلع ملابسك. إذا لم تستطع كلماتك أن تقف عارية أو أن تبقى حيّة لوحدها ببساطة، فهي ديكور لا قيمة له. ثالثا: «حين تشعر برغبة دائمة في كتابة كلمة جداً استبدلها دائماً بكلمة اللعنة. سيحذفها المحرر وحينئذ سيبقى نصك كما يجب أن يكون». الترجمة: لن يعدّل لك المحررون دائماً، وسيكون عليك أن تقوم بهذه المهمة لوحدك. لكن إن كان عليهم في كل الأحوال أن يقطعوا الشريان الأبهر من نصك الأدبي، فسيكون عليك أن تسلمهم النص نازفاً. لا تراقب نفسك قبل أن يمنحك العالم فرصة. رابعا: «اكتب دون أن يدفعوا لك حتى يعرض عليك أحدهم أن تكتب بمقابل». الترجمة: يا إلهي؟ إذن أنت تكتب لأجل المال؟ عزيزي، في الحقيقة عليك أن تسعى بجد لأن تتقاضى مالاً من أجل الشيء الذي تحبه. وعليك ألا تستسلم حتى تحقق ذلك، لكن لا تعلّق رقبة الكتابة بهذا الأمر. أنت كاتب لأن ذلك غاية لا وسيلة. أنت تكتب لأنك لا تستطيع مقاومة الكتابة، وليس لأنك لا تستطيع دفع الفواتير. لكن وبما أنك لن تجد مخرجاً من الاثنين معاً، الكتابة والفواتير، فسيكون عليك أن تسدد الثانية بالأولى. وإن كنت لا تعرف كيف تفعل ذلك، فواصل الكتابة لا أكثر. خامسا: «كلما زدت في شرحها، كلما ازدادت غموضاً» الترجمة: علاوة على كونه فائضاً في حد ذاته، الشرح المفرط يدل على أنك تبرر نفسك وكلماتك. إنه أشبه ما يكون بمحاولة إنقاذ حياتك بعد أن وجدت نفسك متهماً بجريمة سوء الفهم. إنه إشارة إلى أنك تفقد الثقة في قدرتك على إيصال المعنى. لذلك إن لم تكن واثقاً فيما تقول، فما الذي سيجبر القارئ على الثقة فيما تقول؟ امتلك القليل من الإيمان لا أكثر. لا تحرق جسورك قبل أن تضع رجلك عليها. سادسا: «الوقت الذي تبدأ فيه بكتابة المقال هو الوقت الذي تنهي فيه هذا المقال بشكل يرضيك. حينها فقط ستبدأ باستيعاب ما تود قوله بشكل منطقي وواضح». الترجمة: 10 في المئة من عملية الكتابة تسمى كتابة، فيما تسمى 90 في المئة منها إعادة الكتابة وتحريرها، وفرمها وإعادة صياغتها. وفي هذا الأخير سيكون عليك أن تغتال الأنا بداخلك مرة تلو مرة، إلى أن تجد صوتك الخاص مرة تلو مرة. لو قال لك شخص ما خلاف ذلك، اتركه ليشنق نفسه. سابعا: «الفرق بين الكلمة المناسبة والكلمة المناسبة تقريباً هو الفرق بين الضوء والحشرة المضيئة». الترجمة: انتقِِ كلماتك بعناية. لا تقبل بالخيار الثاني إن كان الخيار الأول متوافراً. ما دمتَ تتعرق الآن على أبواب الجحيم فلمَ لا تتوقف وتلقي السلام على الشيطان؟ لا بأس إن شعرت أنك لن تستطيع أن تكون كاملاً. ربما يكون هذا صحيحاً. لكن إن كانت المسافة بين حصولك على نسبة 85 في المئة و100 في المئة هي حفنة من كلمات مهملة، فلم لا تتعرف عليها في طريقك؟ ثامنا: «الكتب العظيمة تُوزن وتُقاس بأساليبها وقضاياها، لا بزخارف النحو وظلاله». الترجمة: لا تهجس بالفواصل والأخطاء المطبعية. اكتب كل ما لديك كما يمليه عليك صوتك. اخترع كلمات جديدة إن دعت الحاجة لذلك، وجاوز حدود اللغة. في الأعمال الأدبية الكبرى، ما يهم حقاً هو البيت لا الخدوش الموجودة على إحدى نوافذه. حين تنتهي من الكتابة سيكون لديك الكثير من الوقت لتحرر ما كتبته حتى تشق طريقك، حتى لو كانت إحدى احتمالات وصولك هي ما بعد الموت. تاسعا: «لا تقل: كانت السيدة العجوز تصرخ. أحضرها ودعها تصرخ بنفسها». الترجمة: أرني ما لديك، لا تخبرني عنه. والأسوأ من ذلك، لا تخبرني بأنك سوف تخبرني. كن واضحاً وقله مباشرة. ستموت في كل الأحوال. وستبقى تلك العجوز تصرخ. إذاً الآن وأنت شجاع بما فيه الكفاية لتقول ما لديك من دون أن تعلنه، اُخطُ خطوة أخرى وصوّره لنا. القراء مثلك تماماً، لديهم خيال ويرغبون في استخدامه. لا تمضغ وتهضم وتتخلص من الفضلات نيابة عنهم. اعرض عليهم أن يتناولوا العشاء معك، وليكن عرضك شهياً قدر ما تستطيع. اترك لهم متعة التفسير. لا تصبغ المفاهيم بأفكار عن المفاهيم، اصبغها بالصور. عاشرأ: «لا تتوقع أن تحصل على كتابك جاهزاً من المرة الأولى. اذهب إلى العمل ورممه وأعد كتابته. إنّ الرب يُظهر برقه ورعده في لحظة توقف، ولذلك فالرعد والبرق يستجيبان. هذه هي صفات الرب، الرعد والبرق. أنت تبرق وترعد كثيراً، والقارئ يتوقف ويختبئ تحت سريره بين فترة وأخرى». الترجمة: لا تيأس حين تدرك في نهاية الأمر أنك لست كاملاً أو عبقرياً. وصف عبقري هو سوء فهم حديث لمعنى الكلمة الأصلي القديم. لا يمكنك أن تكون عبقرياً، يمكنك فقط أن تحظى بزيارات عبقرية خاطفة. إنها ليست حكراً عليك، بل لكل أفراد الجنس البشري. يمكنك أن تحظى بدرجات خارقة من الذكاء بين فترة وأخرى، وفي الجانب الآخر من طبيعتك المعتادة ستنطق أكثر الكلمات إحراجاً وجهلاً وحماقة. اضحك على نفسك، يفضّل أن تفعل ذلك بصوتٍ عالٍ وشخير، واقض بعض الوقت في فراشك حتى لا تتعرض لإحدى صواعقك الشنيعة. ثم حاول مرة أخرى. الحادي عشرة: «حسناً، كتابي جاهز الآن، سأتركه ليذهب. لكن إن كان علي كتابته مرة أخرى فلن يكون لدي كلمة أخرى لأزيدها. الكلمات كانت تحترق بداخلي وتتضاعف، لكنها لن تقال أبداً بعد الآن، لأنها ستكون بحاجة إلى مكتبة لتخرج، وإلى قلم أسخّنه في الجحيم». الترجمة: أصعب شيء عليك أن تفعله. دع طفلك يُحلّق. الأمر شاق جداً لأنه، كما قال ليوناردو دافينشي، «الفن لا ينتهي، إننا نتجاهله فحسب»، لن تنتهي أبداً من أي نص، أو من أي شيء، أو مع أي شخص. لكن الماء يتدفق. وخمن ماذا أيضاً؟ 70 في المئة من جسمك ماء. إنها الطريقة الوحيدة لتمضي قُدماً في الحياة. وأثناء مضيّك في هذه الرحلة حيث تخلق فنك وتعيشه، وحين تحصل على الفرصة، أضف هذه النصيحة «التوينية» الأخيرة إلى أغانيك عن تغيّر الحياة: «الحياة قصيرة، اكسر القوانين، سامح بسرعة، قبّل ببطء، أحب بصدق، اضحك بلا قيود، ولا تندم على شيء جعلك تبتسم في يوم ما».