تسلم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الحكم وكان يعلم أنه سيواجه أوضاعاً اقتصادية بالغة الصعوبة، ولكن مع دخوله العام الثاني من ولايته مطلع الشهر الجاري، يبدو أنه بحاجة إلى معجزة لتطويق ذيول الأزمة الاقتصادية والنهوض بالاقتصاد وإعادة الانتعاش إلى سوق العمل. ولم تعط الإرادة الحسنة التي أبداها هولاند خلال العام الأول من عهده وأقرنها بمجموعة إجراءات لمواجهة العجز المالي وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات النتائج المرجوة، بل على العكس، فهذه الإجراءات وما استدعته من زيادات في الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الأفراد والمؤسسات لم تضف أي تحسن على مستوى البطالة أو على الاستثمار. ولم تولد الإنجازات خلال العام الأول أي إشارة ايجابية تبعث على الثقة بأن البلاد تتجه فعلياً نحو سكة التحسن الاقتصادي. وفي مستهل العام الثاني من ولايته يواجه هولاند ديناً يعادل نحو 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعجزاً في الموازنة يبلغ 81 بليون يورو وبطالة قياسية عند نحو 11 في المئة، فيما الاقتصاد في حال ركود في ظل توقعات بعدم تسجيل أي نمو. انتقادات وعلى رغم النقد الذي تعرض له ودعوته إلى تغيير أسلوب مواجهة الأزمة، اختار هولاند الثبات والمثابرة على النهج الذي يعتمده، بهدف قطع الطريق على المشككين بما تحقق خلال العام الأول من عهده وتأكيد ضرورة استكمال الإجراءات المتخذة والتي ساهمت برأيه في صيانة النموذج الاجتماعي الفرنسي، بحسب ما أعلنه في مؤتمر صحافي عقده في قصر الاليزيه. والمطلوب في العام الثاني المزيد من الديناميكية لتحقيق عدد من الأهداف أبرزها سوق العمل، إذ كان تعهد بأن معدل البطالة سيتراجع اعتباراً من منتصف السنة. وفيما يؤكد هولاند أنه ما زال على تعهده، رأى محللون اقتصاديون أن هذه المهمة تكاد تكون مستحيلة في غياب النمو كما أن البدء في لجم تصاعد البطالة يتطلب نمواً نسبته 1.5 في المئة على الأقل، فكيف يمكن للحكومة أن تخلق 300 ألف فرصة عمل هذه السنة. وعلى رغم هذه التحفظات، اعتبر هولاند أن بإمكانه المراهنة على ما يسمى بوظائف المستقبل، أي التي تستهدف الشباب الذي تراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً من غير المؤهلين مهنياً، وعلى ما يسمى بعقد الأجيال الذي تستفيد منه المؤسسات الإنتاجية لثلاث سنوات عند توظيفها أحد الشباب من دون التخلي عن موظف متقدم في السن، كما يراهن على القانون الذي يتيح للمؤسسات خفض أجور موظفيها عند مواجهة صعوبات. والمطلوب في العام الثاني أيضاً إعداد خطة حكومية للسنين ال10 المقبلة لتطوير فروع إنتاجية مستقبلية قي قطاع التكنولوجيا الرقمية والبيئة والصحة. ترشيد الانفاق ولا بد من أن يترافق كل ذلك مع مواصلة الجهود في مجال ترشيد الإنفاق تجنباً لفرض أعباء ضريبية إضافية لم يعد الفرنسيون قادرون على تحملها، كما مواصلة الجهود للحد من العجز. ومن المرتقب في هذا الإطار تنظيم مشاورات بين الحكومة والنقابات في حزيران (يونيو) المقبل لمراجعة سن الإحالة على التقاعد وتسوية عدم التكافؤ بين أنظمة التقاعد المعتمدة في الفروع المهنية. ويُتوقع أن تتحول هذه النقاشات إلى سجال بين الحكومة الاشتراكية وحلفائها اليساريين الذين يعتبرون أن هولاند خيب آمالهم باعتماده توجهات اقرب إلى الديموقراطية الاجتماعية منها إلى اليسار. وبما أن الأزمة الاقتصادية في فرنسا مرتبطة بالاقتصاد الأوروبي والمعايير المعتمدة في الاتحاد، اعتبر هولاند أن الوقت حان لإنشاء حكومة اقتصادية خاصة في منطقة اليورو يتولاها رئيس يعين لمدة طويلة وتكون معنية بمناقشة القرارات الاقتصادية المتخذة من قبل الأعضاء وإضفاء المزيد من التجانس على المستوى الضريبي والاجتماعي. ويواجَه هذا الاقتراح بالتشكيك بجدواه إذ أنه يندرج في سياق اقتراح سبق أن تقدم به رئيس الوزراء الراحل بيار بيريغوفوا في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران ولم يجد طريقه إلى التطبيق، خصوصاً وأنه يمس بموضوعين سياديين بالنسبة إلى دول منطقة اليورو هما السياسة الضريبية والاجتماعية.