«كيري» يخيط كفن السوريين، إما بدعم حل يشمل الأسد، أو تقسيم سورية عبر لقائه مع «لافروف»، الذي قال سابقاً إن جميع القوى الغربية لها الموقف نفسه من سورية، ولكن في الغرف المغلقة، ويجب ألا نغفل تصريح إيران بقبولها الحل المصري للقضية، ما يعني تلكؤاً يؤدي إلى أن الإخوان في سورية موافقون على الانضواء في حكومة مشتركة، وربما هو رأي إخوان الشمال في أنقرة أيضاً. أعتقدنا عبثاً أن «أوباما»، الذي كان متحمساً للربيع العربي، ومنادياً لمبارك وغيره بالتنحي فوراً، إنما تلكأ مع السفاح بشار الأسد حتى يضمن عودته للبيت الأبيض في فترة رئاسية ثانية، وازداد عبثنا الفكري حين ظننا «والظن بالخير من أميركا إثم كله» أن أوباما فور انتهاء أزمة الفيضانات سيلتفت لسورية، كان أوباما ومعه هيلاري كلينتون يضعان الخط الأحمر بعد الآخر لبشار، من استخدام الطيران للصواريخ وصولاً للكيماوي، ووجدنا أنها مراحل لعبة لا أكثر، وليست هي الفيصل في قرار إسقاط الأسد، والتعامل مع الدماء السورية بالإنسانية التي يزعمون. إن كان من تعلق بمجيء سياسيين يحسمون الأمر في سورية، فالرهان الصحيح كان على عودة «بوتين» إلى الكرملين ثم حمل «كيري» لحقيبة الخارجية، إذ كان اللقاء بين لافروف وكيري الغاية في الحميمية، التأكيد على أن كل حديث، عدا تصريحات لافروف العام الماضي، كان استهلاكاً سياسياً، وأعني بالحديث الواقعي الوحيد ل«لافروف» ما قاله عن رفض إقامة دولة سنية، وكذلك قوله إن موقف روسيا والغرب واحد في الغرف المغلقة وبعيداً من الإعلام. إذ صرح وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف، «إن الحل يجب أن يُبنى على أساس اتفاق جنيف»، الذي توصلت إليه مجموعة العمل حول سورية في حزيران (يونيو) 2012، وينص اتفاق جنيف على تشكيل حكومة انتقالية ب«صلاحيات تنفيذية كاملة»، تسمي «محاوراً فعلياً» للعمل على تنفيذ الخطة الانتقالية، على أن تضم أعضاء في الحكومة الحالية، وآخرين من المعارضة، من دون التطرق إلى مسألة تنحي الأسد. جنيف التي شهدت إتفاق الخروج المذل للدب الروسي من أفغانستان، تُستدعى كقبله لعودة نفوذ الدب الروسي عبر بوابة سورية، وما تمناه بوتين من عودة نفوذ روسيا منذ تولى الحكم يحققه اليوم، فأميركا لا ترغب أن تكون القطب الأوحد في كل الساحات، أوباما يرى الوحل في أقدام الأميركان في أفغانستان والعراق، ويرى النتائج المخيبة للربيع العربي، ولذا كان كيري رجل المرحلة بالنسبة له حتى يحقق تقاسم الكعكة السورية مع روسيا من دون تدخل، وذلك ما صرح به أوباما بُعيد لقاء وزيري الخارجيه الروسي والأميركي قائلاً: «لن نتدخل بمفردنا في سورية». «أردوغان» يبدو مطيعاً للأجندة الأميركية منذ زيارته الشهيرة لكلينتون العام الماضي، وصولاً لزيارته الأخيرة لأوباما، فقد توقفت تركيا عن دعم الجيش الحر والدفع لإسقاط الأسد، حتى والدماء تراق على بابها، وهنيئاً لمن استمروا في ظنه بطلاً إسلامياً إخوانياً، أو من ظلوا أعواماً يعتقدون نصر الله بطلاً ومقاوماً، وهو يتفاخر بقتال رجاله للسوريين في القصير. «كيري» بالربت على كتف «لافروف» في موسكو بحميمية، وتأييد رؤية موسكو في الحل بسورية عبر مؤتمر جنيف، الذي يهدف عبر الحكومة المقترحة والمشوهة، التي تهدف بالأساس لبقاء النظام، أياً كانت الرتوش بما فيها خروج الأسد، يعني أن كيري جاء ليحيك كفن السوريين بمعية الروس، وأن أميركا والغرب ينظرون للسوريين من النظام والمعارضة، كفخار تطمح إلى أن يكسر بعضه بعضاً، وصولاً لدولة هشة تضمن استقرار الجولان، ولا ضير إن بقي الروس في قاعدتهم ب«طرطوس». * كاتب سعودي. [email protected]