يختلف الفلسطينيون في السياسة فيفترقون. هكذا جرت العادة، وهم في اختلافهم يذهبون نحو الحد الأقصى وهو الانقسام، حتى بتنا على يقين بأن السياسة ليست عامل توحيد للصفوف الفلسطينية، حتى اليوم على الأقل. يبقى الوجدان خارج معادلة السياسة بما هو على اتصال روحي بالجميع: حضور الفنان الشاب محمد عساف في برنامج «آراب آيدول» وإطلالته عبر الشاشة الصغيرة جسَدا حالاً تناقض السياسة وتذهب نحو توحيد الفلسطينيين في صورة تعد سابقة في السنوات القليلة الماضية أو إذا شئنا الدقة منذ انقلاب «حماس» العسكري والأمني في غزة. الشباب من الفلسطينيين في فلسطين وخارجها وزعوا اهتمامهم بين المتابعات السياسية المباشرة التي تشغلهم منذ عقود، وبين حلقات البرنامج على شاشة «إم بي سي» وبين الاستنفار على الشبكة العنكبوتية لحض الآخرين على التصويت للمطرب الشاب، وحضّ شركات الاتصالات الخليوية على تقديم ما يمكنها من تسهيلات لمشتركيها كي ينشطوا في التصويت. هي حال تبدو لنا مزيجاً من السياسة والفن والروح الوطنية تجد تعبيرها الواضح في التلفزيون باعتباره ساحة لوعي الوجدان في حاله الأكثر رهافة. لافت أن الإجماع الذي حظي به محمد عساف من الأوساط الشعبية أحرج الجهات «المحافظة» في الساحة السياسية الفلسطينية، وكان لافتاً أيضاً أن رموز هذه الجهات الذين اعتدنا أن يقفوا بشراسة في وجه أية نشاطات فنية، لم يجدوا هذه المرّة قدرة على معاكسة الوجدان الشعبي والوقوف ضده. كان غريباً أن أحد الناطقين الرسميين بلسان أولئك المحافظين أجاب عن موقفه من مشاركة عساف في البرنامج الغنائي بالقول إن عساف «ينتمي إلى عائلة محترمة»! فعل التلفزيون فعله وحقق تأثيراً ما كان للسياسة أن تحققه في هذه المرحلة، خصوصاً أن البرنامج حقق على الصعيد الشعبي جاذبية قصوى جعلته محط اهتمام ومتابعة كثيفة من المشاهدين العرب في البلدان العربية وخارجها وعلى نحو لم يسبق له مثيلاً. أحد الناشطين الشباب علّق على ذلك بقول مختصر: فتش عن التلفزيون. لا ننكر هنا موهبة محمد عساف الجميلة، لكننا نشير إلى نجاح البرنامج في الارتقاء إلى حال جميلة على الصعيدين الفني الذي يتصل بالمشاركين، وأيضاً المتصل بالعرض التلفزيوني ذاته. وفي الحالين حقّق «آراب آيدول» ما لم يحققه أي برنامج مسابقات غنائية آخر.