لا يشغل بال عبير (17 سنة) هذه الأيام سوى «صاروخ» محمد عسّاف و «الزلزال» القوي الذي توقعت وكالة الجيولوجيا الأميركية أن يهز منطقة الشرق الأوسط وتتجاوز قوته على مقياس «ريختر» 9 أو 10 درجات. وبينما تنشغل عبير بمتابعة حثيثة دؤوبة لبرنامج المسابقات الشهير «أراب آيدل» (محبوب العرب) الذي تقدمه قناة «أم بي سي»، تقتنص فرصة الإعلانات التجارية لتذهب إلى والدها، غير المهتم بالأمر، وتسأله عن حقيقة الزلزال المخيف. ويقلل الوالد الخمسيني من هول أمر الزلزال، ويحاول أن يقنع ابنته أن فلسطين عموماً، وغزة خصوصاً، لن تكون في مرمى «تسونامي» الزلزال أو هزاته الارتدادية التي ستبلغ خمس درجات على مقياس «ريختر». فترد الزوجة بإيماءات وتتمتم بكلمات تعبر عن عدم الاقتناع: «هل أنت أفهم من النت؟! قالوا إنه زلزال مدمر وسيضرب البحر الأحمر وفلسطين وإسرائيل». وكانت الوكالة أشارت إلى أن «صفيحة ضخمة في قاع الأرض في عمق 20 كيلومتراً ستتحرك من جنوب شرقي إيران إلى دول الخليج، كما ستتحرك صفيحة من الشرق إلى دول باكستان والهند وشرق آسيا قد تحدث زلزالاً ضخماً جداً»، محذرة من «تعرض اليابان لموجات مد خطيرة». وأضافت أن الزلزال «كفيل بتدمير منطقة كاملة ودفنها بما فيها تحت قاع الأرض»، مشيرة إلى أنه «متوقع حدوثه في الفترة الواقعة بين 25 إلى 30 نيسان (أبريل) الجاري. وحذرت من هزات ارتدادية للزلزال المرعب بقوة خمس درجات كفيلة بتدمير البنى التحتية، بما فيها من طرق وشوارع وجسور ومحطات وأبراج الكهرباء والاتصالات والإعلام والإنترنت والأبراج الشاهقة والمنشآت العامة في عدد من دول المنطقة. وفي الأيام التي لا يتم فيها بث برنامج «أراب آيدول»، أصبح حديث الناس عن الزلزال «غير المسبوق» و «المخيف» و «غضب الله» من «الفاسقين» و «المنافقين» و «غير المؤمنين». لكن عبير سرعان ما تعود تتسمر أمام الشاشة الصغيرة في انتظار إطلالة الفتى الشاب الأسمر اليافع الذي يعيش مع عائلته في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة. ويعيش معظم الفلسطينيين في القطاع، هذه الأيام، سعادة غامرة منبعها أداء عساف، نجم «أراب آيدل»، والذي وصفه عضو لجنة الحكم المطرب اللبناني راغب علامة بأنه «صاروخ». وبدا واضحاً أن معظم الفلسطينيين يفضلون مشاهدة البرنامج في منازلهم، فيما قلة منهم آثرت أن تتابعه في مطاعم أو مقاهي أو فنادق. وخفت النقاش بين المشجعين في القطاع في شأن أداء نادي برشلونة الكتالوني وريال مدريد الإسبانيين، وامتد نقاش ساخن، خصوصاً على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، عن عسّاف. فبينما شن ناشطون من حركة «حماس» انتقادات لاذعة لعساف ومشجعيه بدعوى أن التصويت له يُلهي الفلسطينيين عن مساندة قضية الأسرى المضربين عن الطعام، وفي مقدمهم الأسير سامر العيساوي الذي يخوض إضراباً مفتوحاً منذ 276 يوماً، جاء التأييد للمتنافس الشاب من عائلة العيساوي التي رأت فيه ممثلاً لفلسطين، كما رأى فيه معظم الفلسطينيين، خصوصاً في القطاع، أملاً جديداً لفلسطين. وقالت الصحافية وسام ياسين تعليقاً على غناء عساف أغنية «يا طير الطاير» الجمعة الماضي بعدما تأهل إلى مرحلة جديدة: «غزة فرحانة، الله يفرّح قلبك يا عساف». وحضت ياسين التي ما برحت تتابع تقدم عساف في المسابقة يوماً بيوم، «الغزيين» على التصويت عبر رسائل قصيرة على رغم ارتفاع سعر الرسالة الواحدة إلى ثلاثة شواقل (أقل من دولار)، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى كثير من المواطنين. وقالت إن سعر الرسالة «لا يزيد عن سعر قطعة شوكولا، لكن عساف أحلى منها». ورد شاب على ما وجهه إسلاميون من تهم لعساف بأنه يغني أغان عاطفية وليس لفلسطين: «عساف يتحدث عن ثوابت في القضية الفلسطينية، بما فيها القدس وأراضي ال 48 وغزة وصمودها و ... ألخ وقال افتخر فينا التاريخ ... ونحن نفتخر بك يا محمد عساف يا ابن فلسطين». وتقول كلمات أغنية «يا طير الطاير»: «ميّل ع صفد، حوّل ع طبرية، لعكا وحيفا سلم ع بحرها، ولا تنسى الناصرة هالقلعة العربية، بشر بيسان برجعة أهلها، وامرق ع غزة بوسلي رملها، أهلها نشامة ورجالها جبارة، والقدس العاصمة، والأقصى علمها، إن شاء الله يا ربي تجمعنا بديارها، والله يا مسافر شعلانة هالغيرة، فلسطين بلادي حلوة ويا ما شاء الله».