التحضّر للامتحانات الرسمية يكتسب في لبنان طابعاً مختلفاً عنه في أي دولة أخرى. فهذه المرحلة التي لا بدّ أن تكون من أكثر الأوقات هدوءاً وتركيزاً في الحياة الدراسية للطلّاب، يشوبها الكثير من العوائق في بلاد الأرز، خصوصاً خلال العام الحالي، إذ يحاول الطلّاب تعويض كلّ ما خسروه خلال فترة إضراب هيئة التنسيق النقابية التي استمرت 28 يوماً. وعلى رغم أنّ المدارس، خصوصاً الرسمية منها، حاولت اللحاق بالمنهج التربوي من خلال التعليم يوم السبت والإقتطاع من أيام الإجازات، فإنّ الطلّاب عانوا من هذا الانقطاع القسري خلال منتصف العام. لكن، يبدو أنّ الأزمة لن تتوقّف عند هذا الحدّ. فهيئة التنسيق النقابية أعلنت تنفيذ اعتصامات جديدة الأسبوع الجاري أمام السراي الحكومية ووزارة المال من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب وإحالتها على المجلس النيابي. وتسبب هذا بإرباك جديد في صفوف الطلّاب والأهالي الذين يخشون إقدام الأساتذة على مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية مدّة طويلة إن لم تحل السلسلة. وهذا ما يؤذي طلّاب الشهادة الثانوية خصوصاً، أنّ نسبة عالية منهم تلتحق بالجامعات الأجنبية التي لن تمدّد فترة التسجيل فيها نظراً إلى الظروف في لبنان. ورقة ضغط لا يعرف أهالي الطلّاب على من يلقون مسؤولية هدر وقت أولادهم، لكنّ عيونهم تتوجّه نحو حكومة تصريف الأعمال التي تستطيع التوقيع على سلسلة الرتب والرواتب من جهة، وإلى هيئة التنسيق النقابية من جهة ثانية كي لا تنظر إلى عملية تصحيح الامتحانات الرسمية كورقة ضغط ليس أكثر، فيما يبقى مصير الطلّاب معلّقاً. تقول مروى الخوري، وهي والدة لطالبين أحدهما يتحضّر لإمتحانات الشهادة المتوسطة والثاني للمرحلة الثانوية، إنّ المدارس الرسمية لم تعوّض كما يجب عن أيام الإضراب، فكان ولداها يرتادون المدرسة يوم السبت من دون حضور غالبية الأساتذة، ما أجبرها على الاستعانة بمعلّمة خاصة تتقاضى أجراً لمساعدة الولدين. أمّا مقاطعة تصحيح الامتحانات، فذلك مصدر القلق الرئيسي لمروى، لأنّ الطلّاب الثانويين لن يستطيعوا الاستعداد كما يجب للدخول إلى المرحلة الجامعية، خصوصاً إذا لم تمدّد الجامعات فترة التسجيل فيها. والمخاوف أيضاً ترتبط بالدورة الثانية الاستثنائية من الامتحانات التي ستؤجل حكماً في حال مقاطعة الأساتذة. وحتّى الطلّاب أنفسهم، يستخدمون كل الطرق المتاحة لهم للتعبير عن آرائهم الرافضة لما يحصل اليوم على صعيد الامتحانات الرسمية. فقد أسّست مجموعة منهم صفحة «طلّاب الامتحانات الرسمية في لبنان» على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي، لتكثر التعليقات والكتابات حول سوء الوضع خلال فترة المراجعات. فالكثير من المدارس الرسمية وحتّى الخاصة لم تستطع إكمال المنهج الدراسي كلّه كما يجب، وبعض الأساتذة لجأ إلى «الترجيحات» لكي يتفادوا شرح الدروس بأكملها. وما لبث أن كُتِب خبر عودة هيئة التنسيق النقابية إلى الإضراب على الصفحة، حتّى انهالت التعليقات التي تعبّر عن الخوف الشديد من ربط مصير الطلّاب بالإضرابات. تسويف المطالب في المقابل، ترى هيئة التنسيق النقابية أنها ضحّية أيضاً، بما أنّ هناك «تسويفاً ومماطلة في إحالة ملف سلسلة الرتب والرواتب على المجلس النيابي»، حتّى بعد مرور أكثر من خمسين يوماً على إقرارها في مجلس الوزراء. وذلك وفق ما جاء في بيان الهيئة حول تجدّد الاعتصامات هذا الأسبوع. ويؤكد نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض إنّ «الخطوات ستكون تصاعدية، على أن يكون سقفها مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية في حال استحالة التوافق مع الحكومة لإحالتها». وهذا ما يعيد قضية العمّال إلى نقطة البداية، كأنّهم لم يعتصموا طوال ثمانية وعشرين يوماً ولم تقفل المدارس أبوابها أمام الطلّاب. وفي ظلّ الوضع القائم، لا يجد التلاميذ الذين يتحضّرون للامتحانات الرسمية أو أهلهم إلا ترقّب الأحداث يوماً بعد يوم، متمنّين أن تمرّ الامتحانات بخير وسلامة وأن تلتزم الحكومة بوعودها تجاه هيئة التنسيق النقابية، لكي لا تصبح أزمة الاعتصامات سنوية. أمّا التطمينات التي قدّمها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال حسان دياب منذ فترة حول الالتزام بإصدار كلّ نتائج الشهادات الرسمية بين 25 و30 تموز (يوليو) المقبل، فقد أصبحت في موضع شكّ، وكلّ الأنظار تتّجه اليوم إلى رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي الذي ما زال المسؤول المباشر عن حقوق الطلّاب والأساتذة على حدّ سواء.