استوقفني هذا الأسبوع خبران، هما: تقاعد السيدة باربرا والترز أول مذيعة أنثى في شبكة إخبارية نسائية تعمل في مجال الصحافة المذاعة، قدمت برامج تلفزيونية، وعرفها السعوديون من خلال مقابلة مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خضم سنوات الانفتاح والإصلاح السياسي، إذ فتحت الأبواب أمام الإعلاميين والهيئات الدولية، فجاءت تغطي هذا الحدث بحوار حميم وجميل مع الملك عبدالله. اليوم تتقاعد والترز، وهي في سن ال84، فيما تتقاعد نساؤنا في سن ال40، ويشعرن بقرب نهايتهن مرددات «الله يحسن الخاتمة». أما الخبر الثاني، فهو وصول الشابة السعودية رها المحرق إلى قمة جبل إيفرست الذي يرتفع بمقدار 8848 متراً عن سطح الأرض، وهو الجبل السابع الذي تسلقته رها المتخرجة من جامعة الشارقة التي آمنت ب«أن على الإنسان أن يتفوق على نفسه عند كل اختبار». فهل كانت معجزة تلك التي حققتها واحدة من نساء السعودية، أما أنها قدرة طبيعية، إذا حفزتها وصلت إلى قمة إيفرست، وإذا أهملتها جعلت من النساء جثثاً تتحرك، وتقول عن نفسها: «كم هي محظوظة، لأنها لا تفعل شيئاً». من المؤسف أن نضطر إلى البحث في الماضي كأدلة لتحرير الحاضر، لكن هذا يحدث غالباً في الأزمنة المريضة التي تدل على أن الماضي كان أفضل، كما أن هناك من تآمر من أجل ترسيخ صورة نمطية عن ضرورة حبس النساء في بيوتهن، للحفاظ على شرفهن. ولولا التاريخ الإسلامي لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) لما تصورنا أن النساء قادرات في كل زمن على حيازة المعرفة وصناعتها، ولبقيت إنجازات النساء مدسوسة ومغموسة بالضعف، فقد برزت فيه خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) كأول امرأة في حياة الرسول (عليه الصلاة والسلام) مثالاً للمرأة المستقلة في تجارتها ومالها ورأيها ودعمها لزوجها بالرأي والمال والإيمان، ثم تأتي أم سلمة (رضي الله عنها) المستشارة التي حاجّت الرسول بأن النساء آمنَّ كما آمن الرجال فلمَ لا يذكرهن القرآن؟ فنزلت الآيات القرآنية تشركهن في الخطاب على قدم المساواة، ثم عائشة (رضي الله عنها) الفقيهة والراوية والمحدثة. المقال لا يتسع لذكرهن جميعاً، لكنّ كتاب الباحثة الأميركية روث رودد «النساء في التراجم الإسلامية» (تعريب عبدالله العسكر- إصدار دار جداول)، أحصى 1200 صحابية روين الأحاديث وشكلن مصدراً لجمع المعلومات عن أحداث حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتفسير القرآن والشريعة والعرف الإسلامي، وساهمن في النشر والتعليم. كما تذكر أن نفيسة بنت الحسن علَّمت الأحاديث للإمام الشافعي، وتلقى الصفدي التدريس من ثماني نساء على الأقل، وعدت شهدة بنت أبي نصر أحمد الأبياري من بين أفضل علماء عصرها، ودرّست «صحيح البخاري"، في وقت كان العلم فيه محدوداً والإمكانات بسيطة. فما بالنا كنا حتى 20 عاماً مضت لا تجرؤ نساؤنا على أن يكتبن أسماءهن الصريحة في الصحف، وكان صوتهن في الإذاعة حراماً، لولا أن منطقاً للجاهلية قد ساد، يشبه ذلك المنطق الذي حاجج الرسول (صلى الله عليه وسلم) في توريث النساء: «كيف ترث من لا تركب الحصان ولا تغنم؟»، ولا يزال سائداً بدرجة أقل لكن بمستوى عصره. بعض المراهقات السعوديات لم يجدن طريقة للاحتجاج على حبسهن لأنهن إناث، سوى الكفر بأنوثتهن، وتقليد الرجال في لباسهن وعطورهن، ظناً منهن أنهن قد يصبحن أقوى، وبعضهن يندبن حظهن ويتمنين لو أنهن رجال، لكن رها المحرق تسلقت قمة إيفرست. [email protected]