استقبل الجانب الاميركي بحفاوة بالغة ضيفه التركي. وجليّ أن أردوغان قصد واشنطن وهو معارض لعقد مؤتمر جنيف -2 ويحمل في حقيبته عدداً من اقتراحات تدخل عسكري في سورية، اضطر ليغير موقفه ويصدع، على مضض، بمؤتمر جنيف الجديد ويؤجل خططه. وقال بعض المراقبين إن اردوغان وافق على المؤتمر هذا بعد حصوله على ضمانات من أوباما بألا يمتد هذا المسار لأشهر طويلة وأن يكون محدد المدة. وإذا سلمنا بأن اردوغان لم يملك خياراً غير الصدوع بجنيف -2 الذي توافقت عليه موسكووواشنطن، فهل يمكن أن نثق بضمانات يقدمها أوباما الذي ألغى من غير ان يرف له جفن كل الخطوط الحمر التي وضعها لإجازة التدخل في سورية؟ وهل في المنطقة من يثق بوعود أوباما غير تركيا؟ وقبل نهاية زيارة اردوغان أميركا، أعلنت موسكو تزويد دمشق صواريخ أرض-جو تليها شحنة من صواريخ بحرية من طراز ياخونت. فإلى أي خطوط حمر أو ضمانات أميركية يسع أنقرة أن تركن؟ ولا شك في ان أردوغان الذي حمل ملفاته الى واشنطن ليقنع أوباما بالتدخل العسكري، اضطر هو الى ركوب قطار جنيف واللحاق بقاطرة موسكو. ولا يخفى ان الاسد يعتبر المؤتمر المرتقب انتصاراً لسياساته يعزز ثقته بحلفائه، ويوفر له فرصة جديدة لإطالة عمر حكمه والمماطلة من جديد في جولة مفاوضات ديبلوماسية لن تثمر. ولن يلقي الأسد بالاً الى تصريح أوباما وأردوغان بأنه لن يشارك في المرحلة الانتقالية – والتي تعتبرها الحكومة أهم ما خرج به اردوغان من هذه الزيارة. فهو تناهى اليه مثل هذه العبارات الاميركية والغربية عشرات المرات. وعليه، حري بأردوغان أن يبحث عن افكار جديدة من أجل إنهاء حكم الأسد والصراع. فما خرج به من واشنطن لا يساعد على ذلك، بل يشير الى طول مدة الصراع. واستمراره (الصراع) قد يتهدد تركيا وأمنها ومستقبل أردوغان السياسي. ودعا محللون في الإعلام الاميركي ومراكز الدراسات واشنطن الى انقاذ تركيا من مستنقع سورية بعد أن انتقل العنف من سورية اليها على وقع سيارات مفخخة. ويبدو ان الاتراك اغفلوا هذا الجانب من المسألة. فتركيا دولة وازنة في ميزان السياسات الاميركية في الشرق الاوسط وهي نموذج ديموقراطي في محيط مضطرب. ولا تستخف أميركا باستقرار تركيا وقوتها الاقتصادية. لكن انزلاق أنقرة وراء سياساتها في سورية قد يقوض مكانتها. فصورة الدولة المستقرة الجاذبة للاستثمارات قد تتلاشى، اذا ازدادت وتيرة التفجيرات أو الهجمات داخل تركيا. وقد يخسر حزب «العدالة والتنمية» شطراً من شعبيته. وتنظر واشنطن بعين القلق الى مثل هذه الخسارة. فهي تدرك أن الاستقرار في تركيا هو رهن انفراد هذا الحزب بالحكم. وحبذا لو وازنت الحكومة التركية بين قدراتها الحقيقية في الشأن السوري وبين رغباتها ولم تجر وراء احلامها. ولو فعلت ذلك لم يكن أردوغان اليوم ليضطر الى ركوب القطار الروسي. وحري به الحذر. فالحليف الاميركي لن يساعده على الحسم العسكري. واستمرار الامور على ما هي عليه في سورية وبقاء السياسة التركية على حالها يشكلان خطراً على تركيا ومستقبل اردوغان السياسي. * كاتب، عن «راديكال» التركية، 19/5/2013، اعداد يوسف الشريف