يذكر المراقبون إغفال الرئيس الاميركي، باراك أوباما، أن الميكروفون مفتوح حين همس لنظيره الروسي، ديميتري ميدفيديف، في آذار (مارس) الماضي قائلاً إنه سيخوض انتخاباته في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وأن مواقفه ستكون أكثر ليونة بعدها. فهو طلب تفهم الروس وصبرهم، وأشار في الوقت ذاته الى مرحلة الجمود السياسي في أميركا. وأبرز تجليات هذا الجمود ظهر في الموقف الاميركي إزاء الملف السوري. والأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط، ونظام الأسد أولها، أدركت أن يد أوباما مقيدتان في هذه المرحلة، ففعلت ما يحلو لها. لذا، استند نظام الأسد الى دعم إيران وروسيا ليقوم بمجازر مروعة. لكن ثمة منعطفاً أميركياً ظهر إثر مجزرة الحولة. والى جانب الاصوات التي تبحث عن مخرج من المستنقع السوري والتي تتحدث عن مؤتمرات دولية وغيرها، يتعاظم الضغط على تركيا لحملها على إنشاء مناطق عازلة لحماية المدنيين والمنشقين. فسوزان رايس (وهي مرشحة لشغل منصب وزيرة الخارجية الاميركية إذا فاز أوباما بولاية ثانية) أشارت الى ثلاثة سيناريوات تنتظر الازمة السورية، الاول هو أن تنجح خطة كوفي أنان، وهذا احتمال بعيد. وفي الثاني تمارس موسكو ضغطاً على الأسد لوقف العنف، ولا دليل على أن مثل هذا الحل ممكن. أما السيناريو الثالث فيدور على تفاقم العنف وتفشي القتل، وأن تنتقل عدوى الازمة الى خارج سورية فتشتعل المنطقة كلها، وحينها لن يكون في مقدور واشنطن أن تقف متفرجة، وستضطر الى التدخل. ويدور الكلام على سيناريو رابع في الكواليس الاميركية، ومفاده دعم تركيا دولياً من أجل إنشاء مناطق عازلة على الحدود مع الاردن وتركيا. فأنقرة اعلنت دعمها المبكر لهذه الفكرة، ويسع الجيش التركي أن يحمي هذه المناطق من غير عسر، ولا يستطيع الجيش السوري المتهالك أن يفكر في الاشتباك معه. لكن هذا السيناريو يفترض تخلي أوباما عن استراتيجيته الانتخابية القائمة على أن سياساته الدولية بدأت ترسي الهدوء في العالم وأنه لا يريد الحرب، وأن يستميل عدداً من الجهات الدولية لتوفير دعم دولي لهذا السيناريو. فإذا واصل أوباما إدارة ظهره لما يحدث في سورية، قد يجد نفسه أمام كارثة عشية الانتخابات: امتداد النيران من سورية الى الدول المجاورة، فتلتهم حظوظ أوباما في الفوز في الانتخابات. وعليه، من المتوقع أن تدق واشنطن قريباً باب أنقرة لتنفيذ هذا السيناريو الذي سبق ان أجمع عليه كثر، وتطالب به المعارضة السورية منذ البداية. وعلى رغم تأييد تركيا فكرة انشاء المناطق العازلة، الا أنها تتوجس مثل هذه الخطوة لسبب يغفله كثر. فأنقرة تحسِب أن الاسد قد يسعى الى تقسيم سورية طائفياً للحفاظ على موطئ قدم له في مشروع الحل النهائي. وتخشى أن يؤدي إنشاء مناطق عازلة في سورية الى تكريس الفصل الطائفي فتقع أنقرة في شراك مشروع الأسد. وهي تنتظر إجماعاً ودعماً دوليَّيْن لهذه الخطوة. وتركيا قادرة على حماية المناطق العازلة عسكرياً. وما يتسرب من تقارير المراقبين الدوليين يشهد على تهالك الجيش السوري وضعفه. فوفق هذه التقارير بات الجيش عاجزاً عن دخول مناطق وأحياء وأحياناً مدن بكاملها ويكتفي بمعاقبة أهالي تلك المدن عبر قصفها عن بعد. وحركة تنقلاته متعثرة وبطيئة بسبب المتفجرات التي يزرعها الثوار على الطرقات. ويرى كثر من زعماء المعارضة السورية أن إنشاء المناطق العازلة يساهم في انهيار نظام الاسد سريعاً ويقلل الخسائر البشرية بعد كل هذه المذابح. وحري برئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، أن يستعد لطلب أميركا انشاء مناطق عازلة، وأن يدرك أن أوان المبادرة والتخلي عن الخطب الرنانة والعبارات الانشائية، آن. * معلّق، عن «راديكال» التركية، 10/6/2012، اعداد يوسف الشريف