من حسنات مواقع التواصل الاجتماعي أنها أتاحت اكتشاف أشياء كان من الصعب التعرّف اليها في وسائل الإعلام التقليدية، ربما لأن الوصول إلى المواقع الاجتماعية سهل، ووصولها إلينا أسهل. فالمواهب والإبداعات والمشاريع لم تعد تنتظر دعم الإعلام التقليدي لتنطلق، بل أصبحت الخطة الاعلامية خطوة ذاتية من ضمن مخطط المشروع نفسه. أفكار كثيرة كانت تعوقها وسائل الانتشار، ولا ينقصها الآن سوى التجربة، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي خير شاهد على إبداعات الشباب الذين حولوا ما كان مستحيلاً بالأمس إلى واقع يدر عليهم الكثير من الأموال اليوم. ويكاد اليوم لا يخلو برامج على «يوتيوب» من الإعلانات التجارية، أو حساب «هامور» في موقع «تويتر» من «رتويت» إعلاني، سواء بطريقة مباشرة أم لا، وأحياناً تكون هذه الوسائل نافذة لفرص وظيفية مرموقة إن لم تكن مناسبة لخلق وظائف لم تكن متوافرة في مجتمعنا. وعلى رغم الصعوبات الاجتماعية التي تحيط بعمل المرأة في السعودية مثلاً، نجحت سيدات كثيرات في أن يحوّلن المواقع الاجتماعية إلى أسواق و «دكاكاين» و «بازارت» تعج بالزبائن، وكسبن ثقة عملائهن بشتى الوسائل ليتوافدوا على صفحاتهن بغزارة بين مشتر ومستفسر. وتختلف الخطط والتنظيم من سيدة إلى أخرى، كل بحسب خبرتها وقدراتها ونشاطها وأفكارها. ومن خلال بحث سريع على حسابات المتاجر الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي يطالعنا حساب «بيع» والذي تشرف عليه فاطمة (24 سنة). وفاطمة شابة أنهت تعليمها بتفوق لتجد نفسها بين أربعة أسوار لا تعلم بماذا قد تشغل وقتها، وكانت شغوفة بالأزياء والموضة. فأنشأت حساباً على «تويتر» خصصته ل»ريتويت» (اعادة نشر) المشاريع الصغيرة للسعوديات، إلى أن وصل متابعوها الى 22 ألفاً! فقررت أن تقتحم بدورها مجال البيع، لتسجل بحساب آخر يختص بعملها حصد 17 ألف متابع. وأوضحت فاطمة أن عملها يقتصر على استعراض منتجات من مواقع أجنبية وعرضها على العملاء بمبلغ يشمل سعر البضاعة وقيمة شحنها إضافة إلى عمولتها، وتؤكد أنها تجني أرباحاً تصل في معظم الأحيان إلى 10 آلاف ريال شهرياً، بحسب العرض والطلب، وأنها بفضل عملها هذا أصبحت معتمدة على نفسها. تطبيق «آنستغرام» المخصص لمشاركة وعرض الصور دفع عدداً من أصحاب المواهب في السعودية إلى الاستثمار عبره خصوصاً للتعريف بأعمالهم وأنشطتهم وعرضها للطلب والبيع. تجارب عدة تضمّنها الموقع، لا سيما ان سهولة عرض الصور من خلاله كانت عاملاً مساعداً للكثيرين، من بين هذه التجارب، إطلاق خمس فتيات سعوديات مشروع مطعم منزلي، يتم فيه تحضير وجبات «البرغر» بمختلف أنواعه مع خدمة توصيل. وتوضح ريم وهي صاحبة الفكرة وشريكة في المشروع، أنها هاوية لتحضير هذا النوع من الوجبات، وأرادت أن تستثمر وقتها بجانب زميلاتها الأربعة، من خلال التسويق لعملهن عبر»آنستغرام». وعلى رغم ترددهن في خوض هذه التجربة في بداية الأمر، إلا أنهن تشجعن مع وجود عدد من المنتجات المنزلية التي يتم عرضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عموماً. وتقول ريم ل «الحياة»: «قمنا بتجهيز المطعم المنزلي بالكامل من أدوات طبخ ومواد تموينية وغيرها، وبعد البدء بالتسويق عبر آنستغرام، وجدنا التفاعل من أهالي منطقة حائل، إذ نتلقى يومياً أكثر من 400 طلب عبر تطبيق «واتسآب» الذي يعد الوسيلة الوحيدة التي نتواصل من خلالها مع الزبائن، وكوننا لا نزال طالبات في المرحلتين الثانوية والجامعية، وجدنا أن هذا المشروع أفادنا كثيراً، وقلّص أوقات الفراغ لدينا». وإذا كان الحديث عن فرص الكسب التي خلقتها مواقع التواصل الاجتماعي للشباب فلا يمكن أن نغض الطرف عن فارس، الذي بدأ مشروعه بمجموعة تغريدات على حسابه الشخصي يشارك فيه بصور وجبات فطوره المختلفة في حله وترحاله. كان فارس يختار في كل مرة طبقاً مختلفاً يتحدث عنه بحماسة يسيل على إثرها لعاب المتابعين. حقق هذا الحساب نجاحاً جيداً وأخذ الكثيرون يأخذون بتوصيات فارس وانطباعاته ويذهبون إلى المطاعم الفاخرة والشعبية التي يلتقط فيها صور وجبات فطوره. وبينما كان المتابعون يتجولون في ألبوم صور فطوره، كان فارس الحاصل على بكالوريوس هندسة صناعية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة، يقوم بالعمل على افتتاح مطعمه الجديد، الذي استلهم أطباقه وفكرته وهويته من حسابه في ‘'تويتر''. وأطلق على المطعم اسم ‘'فطور فارس'' امتناناً لتشجيع متابعيه في ‘'تويتر''، وإيماناً بأهمية هذه المنصة في نجاح مشروعه الواعد. ومن المتوقع زيادة الإقبال على مواقع التواصل في مجال الاستثمار والإعلان من النساء، لوجود شريحة كبيرة من المستخدمين في هذه المواقع، وهذا ما أكده المدير التنفيذي لشركة بحر التجارة الإلكترونية مازن الضرّاب ل»الحياة». وعزا الضراب زيادة الإقبال إلى سهولة استخدام قنوات التواصل واعتمادها على الأجهزة الذكية في شكل كبير، إضافة إلى عدم ارتباطها بمكان أو زمان. فأصحاب المشاريع الإلكترونية وبفضل الإنترنت يمكنهم استهداف عملاء من أي مكان بالعالم وفي أي وقت، وأوضح أن الوعي في ازدياد لتقبل تلك المشاريع ولكن في مراحله الأولى، ويزداد أكثر بعد تركيز أصحاب السلع بتقديم مميزات وخدمات أفضل.