دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس إلى إقامة صلاة موحدة بين السنة والشيعة كل يوم جمعة في بغداد بعد تزايد استهداف مساجد الطرفين في الأسابيع الأخيرة. وقال المالكي في بيان وزعه مكتبه الإعلامي إن «الصلاة الموحدة يفهم منها أنها تجمع العراقيين من السنة والشيعة وهذا ما نتمناه، فالصلاة الموحدة الحقيقية يجب أن تجمع المسلمين بكل طوائفهم في مسجد واحد». وأضاف: «أدعو إلى إقامة صلاة موحدة بهذا الشكل في أحد مساجد بغداد الكبيرة تستمر بصورة دائمة كل يوم جمعة». وتستعيد دور العبادة السنية والشيعية في العراق الصورة الدامية التي كانت عليها إبان سنوات الحرب الأهلية الطائفية في ظل تزايد استهدافها بأعمال القتل والتفجيرات العشوائية التي تنسب إلى تنظيم «القاعدة» و «التكفيريين». ومع تصاعد التوتر الطائفي منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، تحول العنف اليومي خلال الأسابيع الماضية من استهداف للقوات الأمنية إلى ما يُسمى «حرب المساجد». وقال المالكي في بيانه إن «الذين يستهدفون المساجد هم أعداء السنة والشيعة على حد سواء ويخططون لإشعال الفتنة وهو مخطط قديم يراد إحياؤه». وناشد «علماء الدين الأفاضل إلى القيام بواجبهم بنبذ الطائفية والفرقة والدعوة إلى وحدة الصف»، مؤكداً أن «توجيهاتنا إلى الأجهزة الأمنية بحماية جميع المساجد ودور العبادة واضحة ومشددة، ولا تساهل مع أي تقصير في هذا المجال». وفي واحد من أعنف الهجمات ضد دور العبادة، قتل 41 شخصاً وأصيب العشرات في انفجار عبوتين ناسفتين الجمعة استهدفتا مصلين قرب مسجد سني وسط بعقوبة (60 كلم شمال شرقي بغداد). وجاء ذلك غداة مقتل 12 شخصاً في هجوم انتحاري بحزام ناسف عند مدخل حسينية في كركوك (240 كلم شمال بغداد) مساء الخميس. ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري إن «هناك تصاعداً في وتيرة الهجمات المتبادلة التي تستهدف دور العبادة السنية والشيعية، في محاولة لإعادة إنتاج العنف داخل النفس العراقية». وأضاف إن «الرعب يتسلل إلى النفوس، وشبح الحرب يسيطر على المشهد العراقي، الحرب السياسة والمذهبية والأمنية». ويعيش العراق منذ 10 سنوات على وقع أعمال عنف يومية قتل فيها عشرات الآلاف. ومنذ انسحاب القوات الأميركية نهاية عام 2011، تركزت معظم الهجمات على القوات الحكومية والمناطق الشيعية، وهي أعمال عنف غالباً ما يتبناها تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، الفرع العراقي لتنظيم «القاعدة». إلا أن هدفاً جديداً أضيف إلى لائحة الأهداف المعتادة لهذه الهجمات بالتزامن مع تصاعد حدة التظاهرات المناهضة للمالكي وتتهمه بتهميش السنة. فعلى مدى الأسابيع الماضية، عادت المساجد السنية إلى دائرة الاستهداف بالأحزمة الناسفة والقذائف الصاروخية والقنابل اليدوية، فيما تواصلت الهجمات ضد الحسينيات الشيعية. ولا تتبنى أي جهة أعمال العنف الطائفية هذه. واستهدفت في نيسان (أبريل) الماضي سلسلة هجمات بعبوات ناسفة وقذائف صاروخية وقنابل يدوية نحو عشرة مساجد سنية في بغداد وبعقوبة ومناطق أخرى، وعدداً من الحسينيات أيضاً، قتل وأصيب فيها العشرات. وقال وكيل رئيس ديوان الوقف الشيعي الشيخ سامي المسعودي إن «الاستهداف الحالي للمساجد والحسينيات (...) مراهنة على عودة العراق إلى مربع الطائفية». وأضاف: «عندما تستهدف حسينية سيتبادر إلى الذهن أن السنة هم الذين قاموا بها، وحين يستهدف مسجد سيقال إن الشيعة قاموا بذلك، لكن في الحقيقة (...) نحن مجمعون على أن من يقوم بهذه الأعمال هم التكفيريون وتنظيم القاعدة». وتحدث المسعودي عن استهداف أكثر من 45 جامعاً وحسينية تابعة للوقف الشيعي منذ بداية العام، معتبراً أن ما يحدث «هجمة شرسة تتعرض لها دور العبادة». بدوره، قال مصدر مسؤول في الوقف السني رفض كشف اسمه «نحن مهددون، حتى أننا لم نذهب إلى الدوام يوم الاثنين الماضي بعدما تلقينا تهديدات بمهاجمة مقر عملنا» في بغداد، مشيراً إلى «استهداف أكثر من عشرة مساجد في بغداد وحدها خلال شهر». وتدفع هذه الحوادث العراقيين إلى تجنب الذهاب إلى المساجد والحسينيات، وتعيد إلى أذهانهم أيام الحرب الطائفية بين 2006 و2008 حين كانت دور العبادة الهدف الأول لأعمال العنف. وقال إحسان أحمد وهو تاجر (سني) يسكن في منطقة البيجية غرب بغداد: «توقفت عن الذهاب لتأدية الصلاة بعد إغلاق المسجد القريب من بيتنا بسبب الهجمات». وأضاف أن «آخر هذه الهجمات كان انفجار عبوة بالمؤذن قبل نحو أسبوعين حين اندفع المؤذن رحمه الله إلى العبوة قرب باب الجامع ووقف عنده يحذر المصلين من الاقتراب (...) وفجأة انفجرت العبوة واستشهد هو». وتساءل: «كل هذا حدث أمام عيني، فكيف لي أن أذهب مجدداً؟ حتى أن زوجتي وأولادي يمنعونني من الذهاب». من جهته، قال علي (29 سنة/ شيعي) الذي يعمل حارساً أمنياً في شركة خاصة: «الناس باتوا يترددون في الذهاب إلى الحسينيات مع أنني لم أتوقف عن ذلك. علينا أن ندرك أن هناك من يحاول العودة بنا إلى الوراء وأن نواجه ذلك». وتصاعد التوتر الطائفي في العراق بشكل كبير عقب مهاجمة قوات الأمن الشهر الماضي لاعتصام مناهض لرئيس الحكومة في الحويجة غرب كركوك قتل خلاله 50 شخصاً، ما أطلق شرارة أعمال عنف تحمل طابعاً طائفياً قضى فيها أكثر من 200 شخص. وحذر المالكي الذي أعلن مؤخراً إجراءات أمنية جديدة لحماية دور العبادة، في مناسبات عدة خلال الأسابيع الماضية من الانزلاق نحو نزاع طائفي جديد و «حرب لا نهاية لها»، معتبراً أن السبب الرئيسي للعنف هو «الحقد الطائفي». وجدد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر الجمعة قوله إن العراق «يتجه نحو المجهول»، مشيراً إلى أن «الأطفال الصغار يحرقون داخل السيارات وهم أحياء، والمصلون يقطعون أشلاء خارج مساجدهم. لقد فاق الأمر حد عدم القبول به».