تجد الحكومة الصومالية نفسها هذه الأيام في وضع سياسي حرج - داخلياً وخارجياً - بعدما نجحت جهود جبارة، على رغم أنفها، في إنشاء «دويلة» تتخذ من مدينة كيسمايو الساحلية مقراً لها. وعلى رغم سماح الدستور الاتحادي لسكان إقليمين أو أكثر بإقامة إدارة محلية لهم، إلا أن مقديشو تتخوف من أن تشجع ولادة «أرض جوبا» أو «جوبا لاند» في الأيام الماضية رغبات لكينيا وإثيوبيا، وفق ما يُزعم، في تشظي هذا البلد العربي إلى دويلات لأنه ليس من مصلحتهما عودة صومال موحد وقوي ينافسهما على الأراضي الصومالية الواقعة تحت سيطرتهما. وعلى رغم التوصيات الدولية بتشجيع إنشاء ولايات جديدة في البلاد، حاولت الحكومة الصومالية بقيادة حسن شيخ محمود إجهاض محاولات إنشاء «أرض جوبا» التي تضم أقاليم «غدو» و «جوبا السفلى» و «جوبا الوسطى». واكتفت مقديشو بعد إعلان قيام «أرض جوبا» بالتعبير عن «أسفها»، الأمر الذي يؤكد أن خياراتها في التصدي لتشظي البلاد تتضاءل على مر الأيام. وتعتزم هيئة «إيغاد» الإقليمية - كما أكد مسؤول كيني ل «الحياة» - دعم الرئيس الجديد لولاية «أرض جوبا» أحمد محمد إسلام المعروف بأحمد مدوبي أو «أحمد الأسود». ومنذ شهور، كان هناك توتر كبير بين مقديشو وإدارة كيسمايو حول أفضل السبل لإنشاء نظام فاعل يكون مقره في هذه المدينة التي تضم ميناء مهماً في جنوب الصومال بالقرب من الحدود مع كينيا. وكان قوات كينية هاجمت الأراضي الصومالية في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 لطرد «حركة الشباب» من المناطق المجارة لأراضيها بما في ذلك كيسمايو. غير أن هذه القوات باتت الآن جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أميصوم). ويتهم سكان «أرض جوبا» الرئيس محمود بإثارة عداوة قديمة بين العشائر الصومالية، وبخاصة «الهوية» و «دارود»، للحصول على موطئ قدم لعشيرته «الهوية» في مناطقهم ولفرض أوامره عليهم. وقد شهدت كيسمايو أعمال عنف وخلافات قبلية منذ انهيار الحكومة المركزية قبل أكثر من عقدين من الزمن. إذ حاولت قبائل صومالية متعددة فرض سيطرتها على هذه المدينة الساحلية التي تنعم بالثروات الحيوانية والسمكية والأرض الصالحة للزراعة. وفي بدايات التسعينات من القرن الماضي، سيطرت ميليشيات من قبيلة «الهوية» على المدينة. وكان تجارها قد اشتروا أو استولوا على مزارع وأراض في جوبا السفلى وجوبا الوسطى بعد أن فر أهلها منها بسبب القتال. وانتقل تجّار الفحم من المناطق الوسطى وأجزاء أخرى في البلاد أيضاً إلى هاتين المنطقتين وأنشأوا قرى صغيرة، الأمر الذي اعتبره سكان محليون محاولة «منظّمة» لتوطين أسر من قبيلة «الهوية» في تلك المناطق بهدف تغيير التركيبة السكانية فيها. بيد أن هناك تفسيرات كثيرة لسبب تردد الحكومة في مقديشو بالسماح لسكان كيسمايو بإنشاء إدارة محلية لمنطقتهم، كما ينص عليه الدستور. ويعتقد العديد من السكان المحليين أن الإدارة القائمة في مقديشو لا تقبل بخسارة ثلاثة من أغنى مناطق البلاد من ناحية الموارد الطبيعية (أقاليم «غدو» و «جوبا السفلى» و «جوبا الوسطى») ل «دويلة» أو ولاية موالية لكينيا.