أبو فايز وأبو العلا الشامي ليسا -كما يوحي اسماهما- رجلين كبيرين، فالسنون العشرون التي يحملها كل منهما ربما لا تتسع سوى لحمل هموم العشق ولعبة شدة مع بعض الأصدقاء... شابان هما أبو فايز وأبو العلا، أولاد خالة، قبل أن يصبحا زميلين في «سرية أحرار الشاغور» بدمشق، في الجيش الحر، الأول قناص والثاني محارب ومصور، الأول كان يعمل في مجال التمديدات الصحية والثاني في صيانة أجهزة الكومبيوتر. أبو العلا اعتُقل أثناء تقديمه امتحان الثالث الثانوي، وبدل أن يعود إلى بيته اقتادته عناصر الأسد إلى الجيش، حيث بقي فترة وعمل ضمن مهمات «نقاب ألغام»، وبعدها انشق عن الجيش النظامي وانضم للجيش الحر: «عندما اعتقلوني كنت مجرد طالب بكالوريا، وبعد ما حدث معي في معتقلاتهم، أقسمت أنني لن أعود إلى البيت، ولكنهم بدل أن يعيدوني إلى البيت وجدت نفسي مع الجيش النظامي، وكنت أرى وأسمع كيف يتعاملون مع العساكر الذين يشكّون بأمرهم، وبدأت أشعر أنني سأموت لا محالة، فأي حركة أو إشارة تبدر مني يمكن أن تودي بحياتي، وفي أول فرصة سنحت لي هربت وانضممت للجيش الحر في الغوطة بمدينتي دمشق». علاء صاحب واحدة من أشهر الصور السورية، فهو مَن حمل الورقة التي وجهها إلى تلك الحبيبة «لن يعرفني أحد من عيني إلا أنت»، ومع صورته بدا لعيد الحب معنى آخر في سورية، ولتصبح صفة الإرهاب نكتة أكثر منها حقيقة. انشقاق طريف أبو فايز، صاحب العشرين عاماً، كان يخوض النقاش نفسه مع والدته كلما أتى المنزلَ من خدمته العسكرية في إجازة، وكانت ترفض فكرة انشقاقه كلياً، وتهدده بطريقة عاطفية، كما تفعل معظم الأمهات، لشعورها أنه في الجيش أكثر أماناً، أو على الأقل ربما سيبقى على قيد الحياة. في يوم 6 كانون الثاني 2013 اقتحم منزل أبو فايز (منطقة عقربا في غوطة دمشق) شباب عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من الجيش الحر، وأنهم أتوا ليأخذوا أبو فايز لأنه في الجيش النظامي، وضُرب أبو فايز وتم سحبه أمام نظر أمه، التي أصيبت بالخوف الشديد على ابنها. اتصلت الأم فوراً بابن خالته مستنجدة، لعلمها أنه في الجيش الحر، فوعدها خيراً، ليتصل بها بعد ساعتين: «خالتي، الشباب مو رضيانين يتركوه، إما بينشق أو بدن يقتلوه»، فأجابت بسرعة «خليه بالجيش الحر، والله لو ماني خايفة عليه كنت أنا رحت للجيش الحر وبخدمن بعيوني يا خالتي». أبو فايز شعر بالذنب لترك أمه فريسة الخوف لمدة ساعتين كاملتين، وقال لابن خالته «أبو العلا» معاتباً: «اتفقنا تضربني كم كف منشان أمي تصدق، بس إنت ما صدقت وصرت تضربني كأنك عم تنتقم، والله لو ما الموضوع ضروري كنت عرفت ردّ عليك»، وغرقا في ضحك هستيري. أبو فايز قناص في الجيش الحر، وسرُّ تسليمه مهمة القنص هو هدوء أعصابه الشديد، وقدرته على التحكم بردات أفعاله. يقول: «القنص يتم على الحواجز التي ينشئها الجيش النظامي والشبيحة، وكل يوم أغيّر موقعي كي لا يتم اكتشافي». وقناص الجيش الحر يختلف عن قناص النظامي، فالأول لا يقنص إلا من يرتدي بزة عسكرية ويقف على حاجز تابع للنظام، والثاني يقنص كل من يتحرك على الأرض، الأول يمكن أن يبكي عندما يقتل أحداً أول مرة «وفق ما قال أبو فايز»، والثاني يضحك ويقول «هل من مزيد». سلاح أبو فايز بندقية من نوع «فال»، يستيقظ صباحاً مع باقي الشباب، وبعد أن يفطر يأخذ إبريق من الشاي والمتة وبعض البزر ليتسلى طيلة النهار، وهو وإن كان يشعر بالوحدة قليلاً إلا أن الوقت يمر بسرعة. أبو العلا وأبو فايز ابنا خالة قبل الثورة، وأخوان وصديقان بعدها، يدعوان الله ألاّ يُفجَع أحدهما بالآخَر، ويأكلان في 90% من أيامهما المعكرونة مع باقي أفراد السرية، أحدهما يتسلى بتنظيف سلاحه والآخر بمعاينة ألوان كاميرته.