في وقت حققت القوات النظامية السورية تقدماً لافتاً على محورين رئيسيين في مواجهة مقاتلي المعارضة، تعهدت الولاياتالمتحدة وبريطانيا امس مواصلة الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد لدفعه إلى التنحي، بينما توقع خبراء روس أن يفشل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم بعدم تزويد دمشق أسلحة دفاع جوي متطورة. وتزامن ذلك مع إعلان «الائتلاف الوطني السوري» انه بصدد التشاور مع حلفائه في الرياض والدوحة وأنقرة من اجل اتخاذ قرار في شأن المؤتمر الدولي (جنيف-2) الذي دعت إليه موسكووواشنطن، مجدداً موقفه القائل إن أي حل سياسي يجب أن يبدأ برحيل النظام. وفي لقاء تصدره الموضوع السوري، استقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون لأكثر من ساعة في البيت الأبيض، وتدارسا المسعى الروسي لعقد مؤتمر سلام، ورحب كلاهما بجهود موسكو والرئيس بوتين. وقال أوباما «إذا استطعنا أن نتفق على مرحلة انتقالية تقود إلى رحيل الأسد وإبقاء سورية متماسكة فهذا من مصلحة الجميع»، لكنه أضاف «لا يمكن أن أتعهد بنجاحه... إذ بعد اشتعال الغضب، من الصعب إخماده»، وتحدث عن «خليط ملتهب في سورية يضم ايران وحزب الله وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة»، واعتبر أن «أجندتهم تتخطى مصير الأسد»، ومع ذلك ركز على الجهود المشتركة الدولية والمصلحة المشتركة في حل سياسي. وكرر أوباما أن الأسد لن يكون جزءاً من الحكومة الانتقالية، وأن بريطانيا والولاياتالمتحدة «تعملان على زيادة الضغوط عليه لإجباره على التنحي وتقوية المعارضة المعتدلة». وكانت لافتة إشارة كاميرون إلى أنه «لن يكون هناك تقدم سياسي قبل أن تصبح المعارضة قادرة على الصمود أمام هجوم الأسد». وأضاف أن بريطانيا «لم تتخذ قراراً بالتسليح إنما عدلنا حظر السلاح المفروض من الاتحاد الأوروبي وسنستمر في إعادة مراجعته». وبدا واضحاً من المؤتمر الصحافي عمل الولاياتالمتحدة وبريطانيا على مسارين متوازيين، الأول السعي إلى حل تفاوضي واحتضان الدور الروسي في التحضير لمؤتمر سلام، والثاني التركيز على دعم المعارضة المعتدلة ومراجعة ملف التسليح وزيادة الضغوط على النظام في دمشق. وقبيل محادثاته، قال كامرون إنه لا يستبعد اتخاذ تحرك اشد ضد سورية بشأن الدليل المتزايد على أنها تستخدم أسلحة كيماوية، وأنه يعتزم إثارة المسألة مع أوباما. وليلاً قالت وزارة الخارجية الاميركية «ان من المحتمل تأجيل مؤتمر السلام في سورية الى مطلع الشهر المقبل». وفي نيويويرك اعلن أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيتوجه الى موسكو مساء غد الأربعاء على أن «تكون الأزمة السورية من أهم المواضيع التي سيناقشها» مع المسؤولين الروس. ولم يتضح ما اذا كان كان سيلتقي الرئيس فلاديمير بوتين أم لا. وتزامناً مع زيارة رئيس كامرون الى واشنطن اعتبرت أوساط مجلس الأمن أن الدخول البريطاني «الإيجابي» على خط الجهود الأميركية - الروسية «سيواكب بإعلان روسي أميركي مشترك قد يصدر قريباً جداً وسيتضمن نقاطاً مهمة وتحضيرية للمؤتمر كمعايير اختيار المشاركين السوريين والإقليميين والدوليين، وأهداف المؤتمر» التي ستتركز على «كيفية تطبيق إعلان جنيف -1». ميدانياً، سيطر الجيش السوري على ثلاث قرى في ريف القصير في محافظة حمص وسط سوريا امس في إطار إحكام حصاره على مدينة القصير. وقال مقدم في الجيش السوري في دمينة الغربية رافضاً الكشف عن هويته «بدأ الهجوم على قرى دمينة الغربية والحيدرية وعش الورور صباح الاثنين. وبعد معارك استغرقت ثلاث ساعات، تمت السيطرة على هذه القرى التي تعتبر استراتيجية لأنها تقطع الطريق بين مدينتي حمص والقصير وتمنع الإمدادات عن المسلحين في القصير». ومنذ أسابيع تدور معارك عنيفة في منطقة القصير الحدودية مع لبنان بين القوات النظامية مدعومة من «حزب الله» اللبناني وبين المجموعات المقاتلة المعارضة، وسجل خلالها تقدم كبير للقوات النظامية باتجاه مدينة القصير التي تعتبر احد ابرز معاقل المعارضين المتبقية في ريف حمص. وفي روسيا حيث يجري نتانياهو محادثات مع بوتين اليوم في منتجع سوتشي على البحر الأسود، توقع خبراء روس أن لا يلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي أذناً صاغية من الرئيس الروسي بخصوص طلبه وقف تسليم دمشق أنظمة دفاع جوي متطورة مثل صواريخ «أس-300» التي يخشى الإسرائيليون من وصولها إلى ايدي «حزب الله». ووفق معطيات نقلتها وسائل إعلام روسية أمس، فإن نتانياهو سيبلغ بوتين أن تل أبيب «لن ترى مفراً من مواصلة شن هجمات جوية على مواقع سورية في حال شعرت بتهديد أمنها». وجددت المعارضة السورية تأكيدها أن أي مبادرة سياسية يجب أن تبدأ برحيل الأسد. وقال رئيس «الائتلاف الوطني» بالإنابة جورج صبرا في مؤتمر صحافي في إسطنبول «نعتقد انه ما زال من المبكر اتخاذ القرار بشأن حضور (المؤتمر الدولي) أو عدمه لأنه حتى الآن لم تتضح حيثيات هذا المؤتمر، ولم يعلن له أجندة أو جدول زمني، كذلك لم تعلن قائمة الحضور من الدول أو الممثلين». وجدد صبرا «الترحيب بكل المبادرات التي تهدف إلى إيجاد حل سياسي لما يجري في بلدنا قائم أولاً على وقف القتل وأعمال العنف ضد السوريين وعلى ضرورة رحيل بشار الأسد وطغمته الحاكمة بحيث يفسح المجال لمباشرة عملية سياسية تؤمن انتقال السلطة والبلاد من نظام استبدادي إلى نظام ديموقراطي». على الأرض، تزداد الظروف الإنسانية صعوبة بسبب عنف المعارك وغياب الدولة وتدمير البنى التحتية والنقص في الأدوية والمواد الطبية. وقررت اللجنة الدولية للصليب الأحمر زيادة الأموال المخصصة لسورية والدول المجاورة إلى 101.3 مليون فرنك سويسري (82 مليون يورو) للعام 2013، ما يجعل من عملية الإغاثة هذه الأضخم التي يقوم بها الصليب الأحمر من حيث الموازنة. وصرحت مفوضة المساعدات الإنسانية في الاتحاد الأوروبي كريستالينا جيورجيفا لوكالة «فرانس برس» أن «هناك مزيداً من الفظائع والقتال لا يزال مستمراً في سورية، كما أن هناك مزيداً من الناس الذين يهربون، ولا توجد دلائل على الإطلاق أن هذا سينتهي»، مضيفة «نحن بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود، وبطريقة أفضل»، و»الأسوأ لم يأت بعد». وفي تركيا التي سقطت إحدى طائراتها المقاتلة في حادث عرضي قرب الحدود مع سورية، نفى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن تكون للمعارضة السورية أي علاقة بتفجير سيارتين مفخختين في مدينة الريحانية، وانتقد الأصوات الداخلية التي تحاول أن تلصق الأمر بها، محذراً في الوقت نفسه من أن بلاده سترد في الوقت المناسب على نظام الأسد الذي تعتبر أنه المسؤول عن الاعتداء.