لندن، روما، دمشق - «الحياة»، رويترز، ا ف ب - بدأت واشنطن في ممارسة ضغوط على المعارضة السورية لتشكيل وفدها إلى المؤتمر الدولي المقرر عقده في جنيف نهاية الشهر الجاري، في وقت أعرب النظام السوري عن «الترحيب» بالتقارب الأميركي - الروسي استناداً إلى «ثبات» موقف موسكو وإلى برنامج الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد. وفي حين أكدت المعارضة ضرورة «تغيير موازين القوى على الأرض» قبل بدء المفاوضات مع النظام، شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن الرئيس الأسد «لن يشارك» في الحكومة الانتقالية المتوقع تشكيلها بين المعارضة والسلطة، وقال إن تسليم روسيا صواريخ متطورة إلى سورية سيؤدي «إلى زعزعة الاستقرار» في المنطقة في إطار تعليقه على معلومات عن احتمال بيع نظام صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ الموجهة إلى سورية. وأضاف: «نفضل ألا تقدم روسيا مساعدة» إلى نظام الأسد. وأوضحت مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة» أن واشنطن تخلت عن شرطها السابق بضرورة «تنحي» الأسد قبل بدء المفاوضات لتشكيل الحكومة الانتقالية، وأن كيري أضاف إلى ذلك «تنازلاً آخر» تمثل بقبول بقاء الأسد «خلال المفاوضات إلى حين تشكيل الحكومة الانتقالية بين السلطة والمعارضة». وأشارت إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون سيتوجه إلى واشنطن للقاء الرئيس باراك أوباما الاثنين بعد لقائه المقرر اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي لدعم التفاهم الروسي - الأميركي مع حرص لندن على إبقاء «الضغط الديبلوماسي للدفع باتجاه الحل، عبر رفع الحظر الأوروبي عن السلاح لسورية». وقالت إن الوزراء الأوروبيين سيقررون في اجتماعهم في بروكسيل في 18 الجاري عدم تمديد العمل بجميع العقوبات بما فيها السلاح. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن وزارة الخارجية «ترحيبها» بالتقارب بين واشنطنوموسكو «انطلاقاً من قناعتها بثبات الموقف الروسي المستند إلى ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي ولا سيما مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ومبدأ عدم التهديد بالقوة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة». لكنها أشارت إلى أن «صدقية» موقف واشنطن تقوم على أساس سعيها لدى حلفائها ب «وقف العنف والإرهاب وتجفيف مصادره تمهيداً لانطلاق الحوار السياسي». كما اشترطت أن «الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبله والنظام الدستوري لبلاده من دون أي تدخل خارجي، خصوصاً أن الحكومة السورية خطت خطوات باتجاه تنفيذ البرنامج السياسي الذي طرحه الرئيس الأسد والمستند إلى روح وثيقة جنيف (للعام الماضي) من أجل الإعداد لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في دمشق». وصرح كيري قبل محادثات مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في روما أمس أن كل الأطراف تعمل «لتشكيل حكومة انتقالية بالتفاهم بين الطرفين، وهذا يعني في رأينا أن الأسد لن يكون مشاركاً في هذه الحكومة الانتقالية». ورأى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن «مستوى التدخل الإيراني إلى جانب النظام السوري هائل» وأن «هناك علاقة بين الملف النووي الإيراني والمواجهات في سورية»، محذراً من أنه «إذا لم تستطع الأسرة الدولية وقف تحرك إيران بقوة لدعم قوات الأسد فماذا سيحصل لصدقيتنا في ضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي». وأردف في مقابلة مع صحيفة «لوموند» تنشرها اليوم، أن على الولاياتالمتحدة التحرك في شكل كامل وأن تتعزز المحادثات مع روسيا. ونحن اقترحنا منذ فترة طويلة جنيف - 2 ليتبع مؤتمر جنيف الذي عقد في حزيران (يونيو) 2012 والذي كاد ينجح، إضافة إلى زيادة دعمنا للمعارضة المعتدلة في «الائتلاف الوطني السوري» الذي يجب أن يتوسع ويتوحد». وقالت مصادر في المعارضة السورية ل «الحياة» إن السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد بدأ سلسلة اجتماعات مع قيادات المعارضة في اسطنبول لدفعها إلى تشكيل وفدها التفاوضي إلى المؤتمر الدولي المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، في ضوء موقف «الائتلاف الوطني السوري» بأن أي حل سياسي يجب أن يبدأ ب «رحيل» الأسد. وتوقعت المصادر أن ينعكس مضمون التفاهم الأميركي - الروسي في المؤتمرات المختلفة التي تعقدها المعارضة في الأيام المقبلة، على رغم تمسك «المجلس الوطني» بموقفه الصلب إزاء شروط التفاوض خلال اجتماعاته في اسطنبول في اليومين الماضيين. وأوضحت المصادر أن فورد سيواصل اجتماعات مع قادة «الائتلاف» عشية اجتماعهم في اسطنبول الأحد والاثنين المقبلين، ونقلت عن مسؤولين في «الائتلاف» تأكيدهم رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام، وأن أحدهم قال لفورد: «إذا أردتم مفاوضات وهي أصلاً غير مقبولة، فلا بد من تغيير الموازين على الأرض. ومن دون تحقيق ذلك وفي ظل استمرار الدعم الروسي للنظام فإن كل ذلك يعني تضييع قضية الشعب السوري». ويتوقع أن يثير التفاهم جدلاً في اجتماعات «القطب الديموقراطي» في القاهرة اليوم، في وقت علمت «الحياة» أن الرئيس المستقيل معاذ الخطيب الذي يؤمن بالتفاوض مع النظام، سيشارك في مؤتمر موسع للمعارضة في مدريد يومي 20 و21 الجاري. وحض الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي المعارضة على «انتهاز الفرصة» للاتفاق على حكومة انتقالية. وقال في بيان «إن التفاهم الروسي - الأميركي بالعمل معاً وبصورة مباشرة يشكل تطوراً مهماً وإيجابياً لدفع الجهود الإقليمية والدولية لرعاية تنفيذ ما جاء في البيان الصادر عن اجتماع مجموعة العمل الدولية في جنيف في 30 حزيران الماضي والذي حدد الإطار والأسس للحل السياسي التفاوضي للأزمة السورية». وفيما أعلن فابيوس أن بلاده بدأت إجراءات مشتركة مع بريطانيا لتقديم طلب إدراج «جبهة النصرة» إلى لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، تضاربت الأنباء أمس عن إصابة زعيم «جبهة النصرة في بلاد الشام» أبو محمد الجولاني بجروح خلال قصف جوي على ريف دمشق الجنوبي. وتعرضت مدينة القصير قرب حدود لبنان لقصف جوي ترافق مع معارك عنيفة بعد استعادة القوات النظامية مدعومة من مقاتلي «حزب الله» قرية في ريف القصير، وواصل «لواء اليرموك» مواجهاته مع القوات النظامية ضمن معركة «جسر حوران» بعد صد تقدم الجيش النظامي في خربة غزالة قرب حدود الأردن. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن اشتباكات عنيفة دارت أمس في أطراف حي برزة شمال دمشق وسط قصف جوي تعرضت له المنطقة وحي القابون المجاور. وشن الطيران الحربي غارات على البساتين الواقعة بين مدينة داريا وبلدة معضمية الشام في الطرف الجنوبي لدمشق. وفي شمال غربي البلاد، أفاد المرصد بأن مقاتلين دمروا دبابة أمام تجمع للجيش النظامي في معمل القرميد شرق أريحا باتجاه مدينة حلب. وقال شهود عيان إن انفجارات عنيفة هزت معسكر معمل القرميد نتيجة قصفه بصواريخ أرض - أرض محمولة على سيارات، في حين «دارت مواجهات بين مقاتلي المعارضة في بلدة بنش شمال شرقي إدلب وقوات «اللجان الشعبية» الموالية للنظام في بلدة الفوعة الموالية التي يقطنها مواطنون شيعة مع تبادل للقصف بين الجانبين». إلى ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في حديث مع «فرانس برس» أن بلاده «سترد فوراً وبشدة على أي هجوم إسرائيلي جديد على أراضيها»، وقال «تم إعطاء تعليمات» بهذا الخصوص. وزاد: «ردنا على إسرائيل سيكون قاسياً ومؤلماً، على إسرائيل أن تعرف ذلك (...) سورية لن تسمح بأي حال من الأحوال، بأن يتكرر ذلك». وأضاف المقداد أن بلاده مستعدة «الآن وفي هذه اللحظة لاستقبال البعثة كما قررها (الأمين العام للأمم المتحدة) بان كي مون للتحقيق في ما حدث في خان العسل»، علماً أن الأممالمتحدة تريد إرسال مفتشين للتحقيق «في كل المزاعم» في شأن استخدام الأسلحة الكيماوية بما في ذلك في ريف دمشق وفي حمص بوسط البلاد.