لا يتوقف حراك منظمي مهرجان «أشغال داخلية 6» في مركز «أشكال ألوان» في بيروت. يتابع القيمون أدق التفاصيل، بدءاً من وصول 800 زائر إلى المهرجان، 80 منهم يشاركون في الأحداث، وصولاً إلى متابعة الإجراءات التقنية والتجهيز. المهرجان الذي يستقطب فنانين من العالم العربي، أوروبا، الولاياتالمتحدة، وشرق آسيا، يزخر برنامجه المجاني بندوات ومعارض فنية وأمسيات موسيقية وأعمال مسرحية تحاكي الحراك العربي ومطالب الشعوب، ويتضمن 40 فعالية تعرض للمرة الأولى في بيروت. ولن تكون الأحداث القائمة في المنطقة، ومطالب الشعوب العربية، بمنأى عن مهرجان «أشكال ألوان» الذي يفتتح رسمياً اليوم. المطالب الحقوقية، تحاكيها مبادئ مثقفي العالم، وتلتقي مع هواجس المثقفين العرب الإنسانية، على قاعدة أن السياسة غير مفصولة عن الفن الذي يتكفل ب «لفت النظر». وتخرج فعاليات اليوم الأول من السياق التقليدي للنشاطات الثقافية. أرادت مديرة البرنامج كريستين طعمة أن يسترد الشباب والمثقفون القرار بالتعبير عن تطلعاتهم. أعادتهم إلى «الحيز العام» الذي انطلقوا منه. الشارع يستقبلهم، ويكون مساحة مفتوحة لتجربة فنية تقنية، تربط بين اتجاه الشباب لبعث الموسيقى في الأرجاء من خلال السيارات، وبين برنامج تقني يهذبها، ويساعد على إيصالها، عبر فعالية «أوتومبيل». انطلاقة الفعالية من أمام مركز «أشكال ألوان» في منطقة سن الفيل، تلي محاضرة يقدمها وضاح شرارة للمرة الأولى عن «إسلام الشرع وإسلام الدولة»، وتسبق عرض فرقة «سادات» المصرية في الشارع، والتي تؤدي موسيقى ال «هيب هوب». انطلاقة البرنامج تحدد هوية المهرجان. الشباب لهم الحصة الكبرى من الفعاليات، سواء في المعرض الفني أو في الأمسيات الموسيقية. تصر طعمة على ابتكار مساحة للحوار بين ناشطي المجتمع المدني في العالم. الحوار سيكون فنياً تارة، وأطواراً سيكون حواراً مباشراً من خلال سلسلة ندوات. استقطبت نبض شباب العالم. استثمرته في الإضاءة على تطلعات مدنية. فلسطين، مصر، صربيا، ألمانيا، الصين، تركيا، كوريا الجنوبية، وغيرها من البلدان، رفدت فنانين إلى الفعاليات، حتى قارب عدد المشاركين الأجانب المئة، نحو عشرين منهم يشاركون عبر وسائل الاتصال الحديثة. تدور الفعاليات في فلك المتغيرات السياسية في المنطقة، من غير الخوض في التفاصيل، أو تسمية الأشياء بأسمائها. مسار المحاكمات الدولية لمجرمي الحروب، وعرض مذابح في دول شهدتها، وأضاءت عليها عبر أعمال فنية أو محاضرات، توحي أن المنظمين يتماهون مع المطالب العربية الداعية لمحاكمة المتورطين بدماء المدنيين. قاربت كريستين طعمة المحاكمات بسؤال: «إذا كانت المحكمة لا تقوم أركانها إلا بسيادة القانون والمواطنة والفردية، فإن المواطن الفرد لا يقوم إلا بحضور سلطة المحاكمة». وترفض طعمة الخوض في التفاصيل، مكتفية بالقول ل «الحياة» إن برنامج هذه السنة «لايقتصر على الترفيه»، مؤكدة أن الرسائل التي تتضمنه «تطرح أسئلة وهواجس الشعوب». وتوضح أن الفن «ليس مخصصاً للإقامة في برج عاجي». هي تنتمي إلى مدرسة جان بول سارتر، لكنها لا تُحمّل الفن مسؤوليات تتخطى قدرته. الحوار، جانب أساسي من الحراك الثقافي، ومن غيره «يصبح الفن تزيينياً». الرقص، يحظى بمساحة كبيرة. فن تعبيري يشارك في الإضاءة على المتغيرات الكبيرة في المنطقة عبر «أشكال ألوان». ويتمثل رصد المتغيرات، عبر الفن، بعرض «رؤوس أقلام» الذي يقدمه 17 راقصاً من مختلف بلدان العالم في مسرح المدينة غداً (الأربعاء)، نسّقه ميغ ستيوارت من بلجيكا ودامدجد غودز من الولاياتالمتحدة. وهو العرض الثاني للفرقة، بعد العرض الذي قدّم برلين قبل 4 اشهر، ويمتاز بجديد فني يُقدم للمرة الأولى في لبنان. وتتيح إدارة المهرجان للجمهور حضور كل عرض مرتين، مجاناً. ولا تخرج تلك الاستراتيجية عن سياسة «أشكال ألوان» منذ انطلاقتها في منتصف التسعينات. يعتمد المنظمون على رعاة للمهرجان، يدعمون وفق رؤية توفير مساحات للعمل على الحيز العام، وتعزيز قدرات المجتمع المدني ورأي الغالبية الصامتة. وبينما يعد التمويل أصعب الإنجازات، لا يصعب الدعم على «أشكال ألوان» التي اكتسبت ثقة الداعمين المحليين أيضاً، ما يعكس توجه العائلات اللبنانية إلى تعزيز الفن بإطاره الإنساني الجامع، «وفق استراتيجية رفع مستوى الوعي لأهمية النشاطات الثقافية»، كما تؤكد طعمة. وفي المنجزات، «يصبح المانح شريكاً»، وسط توجه لبناني تجسدت ملامحه في نشاطات ثقافية عدة، ليشكل الجمهور نواة الحراك الاجتماعي والحقوقي.