على مدى سنتين وأكثر، تحديداً منذ انطلاقة «الربيع العربي»، دأبت الفضائيات على استضافة وجوه تكاد أن لا تتبدل. ولئن غامرت فضائية باستثناءات عبر استضافة اسماء جديدة، ولمرة واحدة، فإن ذلك لا يغير شيئاً من حقيقة التركيز على اسماء محددة راحت تطل على الشاشات على مدار اليوم وفي أكثر من قناة، وكأن هؤلاء «المكرسين» لا عمل لهم سوى انتظار اتصال هاتفي يخبرهم بالاستعداد للظهور على الشاشة. واللافت ان المستجدات على أرض الواقع تتبدل وهي في طور التحول الدائم، غير ان قراءة الضيوف الدائمين لتلك المستجدات بقيت ثابتة، وتحليلاتهم للتطورات ظلت متمحورة حول مقولات تتكرر على نحو مبتذل، وكأن رحابة اللغة العربية، المعروفة بثرائها، قد نضبت حتى تسعف هؤلاء في الإتيان بجديد ولو على مستوى اللفظ والتعبير. الاسطوانة ذاتها تتكرر الى درجة اصبح معها المشاهد قادراً على تخمين ما سيقوله هذا المحلل السياسي وذاك الخبير الاستراتيجي، بل إن بعض المشاهدين يتندر بمفردات وعبارات محددة غدت لازمة لا بد من سماعها من هذا الضيف أو ذاك. أكثر من ذلك، يبدو ان هذا الحضور الدائم خلق التباساً لدى المشاهد الذي لم يعد يميز بين المذيع والضيف المقيم، فهذا الأخير، ولفرط ظهوره، أصبح كأنه موظف في القناة! لا مبرر للفضائيات في اختيار هذه الاسماء وتكرارها، ذلك ان ثمة أسماء كثيرة تهتم بالملفات التي تطرحها، ومسألة التنويع في الوجوه لا تحتاج سوى إلى القليل من الاجتهاد والبحث والاستشارة. عندئذ، سيجد مسؤولو الفضائيات ان هناك وجوهاً جديدة يمكن ان تدلي برأي مختلف، وتحلل القضايا بمفردات مغايرة. إن هذا «السلوك الفضائي السهل» خرق قاعدة تلفزيونية معروفة تفيد بأن المشاهد ينتظر الجديد دائماً، وعندما يتوقع ما ستقول له هذه المادة الإعلامية او تلك، فإن فرص هذه المادة الاعلامية في المتابعة تتضاءل. بعبارة أخرى، على الشاشات أن تسعى الى كسر أفق التوقع لدى المشاهد، وهذا لا يتحقق إلا بالتنويع والتجديد ومواكبة التحول، وربما كانت المقولة الشائعة: «لكل مقام مقال»، صحيحة في هذا السياق، بل يمكن تعديل المقولة لتصبح «لكل مقام مقال... وقائل». وإلى ان تنتبه الفضائيات إلى مثل هذه الثغرات المهنية، سنظل نسمع الثرثرات ذاتها من الوجوه عينها، التي مللنا، تردادها للمعنى ذاته، وبالتعابير نفسها، وكأن مكوثها الطويل في الاستوديوات المغلقة قد أعمى بصائرها وبصيرتها عمّا يدور على أرض الواقع من تحولات حادة، ومن دراما مؤثرة تفوق كثيراً، في دلالتها ورمزيتها، تلك الرؤى النمطية؛ المنتهية الصلاحية، وقد يكون مفيداً، هنا، التذكير ببديهية تقول: الثابت الوحيد في الحياة، هو التحول!