منذ انتشار البث الفضائي واتساع رقعته اعتاد المشاهد أن يرى على الشاشات، خصوصاً الإخبارية منها، وجوهاً باتت معروفة، ومألوفة لفرط ظهورها، وتكرار تحليلاتها السياسية التي حفظها المشاهد عن ظهر قلب. فالحدث السياسي يحظى بالاهتمام الأول، وهنا، تضطر الفضائيات الى الاستنجاد بأسماء باتت تتكرر على نحو ممل، فضلاً عن الاهتمام بقضايا اقتصادية ورياضية وفنية. وهذه ايضا لها «نجومها الفضائيون». لكن الطارئ والجديد هو ما أظهرته قمة كوبنهاغن للمناخ التي استقطبت الفضائيات شرقاً وغرباً. ولأن اهتمام الفضائيات بمسألة البيئة والمناخ لم يكن يتعدى تلك النشرة الجوية التي تنقل حال الطقس في نهايات نشرات الأخبار، فإن قمة كوبنهاغن أربكت مسؤولي الفضائيات الذين فوجئوا بمناسبة بدت غريبة وسط «نمطية الخبر السياسي الطاغي». إذ احتلت أخبار القمة صدر نشرات الأخبار، فضلاً عن فيض من التعليقات والتحليلات التي حوت تعابير ومفردات ومصطلحات بدت جديدة في القاموس الإعلامي من قبيل: «الاحتباس الحراري»، «الغازات الدفيئة»، «التصحر»، «الطاقة البديلة»، «التكنولوجيا الخضراء»... وغيرها من المصطلحات المقرونة بأرقام واحصاءات ملتبسة. من هنا، كان على مسؤولي الفصائيات لتوضيح الغموض الذي حفلت به تقاريرهم الإخبارية، الاستعانة بباحثين وخبراء في مجال البيئة والمناخ. وللمرة الأولى، بالتالي، كان المشاهد على موعد مع أسماء ووجوه وألقاب لم يسبق له أن عرفها أو سمع بها، حتى اختلط عليه الأمر إزاء هذه «الوجوه الجديدة» التي تتحدث بلغة ذات إيقاع مختلف تماماً عن تلك الكليشهات السياسية المعروفة، وراح يدقق في شعار المحطة: هل هو حقاً يتابع محطته الإخبارية المفضلة، أم ثمة خلط ما؟! وما زاد في التعقيد، هو ان هذه «الوجوه الجديدة» لم تكتفِ بالتحليل «البيئي والمناخي»، بل ذهبت غالبيتها إلى أبعد من ذلك حين قدمت صورة مستقبلية لكوكب الأرض بدت مخيفة، تثير الهلع في النفوس. كوكب متصحر، يعاني من شح في الموارد الطبيعية، ومن غرق مدن وشواطئ، ومن كوارث بيئية وأمراض وأوبئة... وسوى ذلك من المخاطر التي أسهب «الخبراء البيئيون» في شرحها وتفسيرها، وكأنهم يلقون محاضرة على نفر من الطلبة في أكاديمية علمية. والأرجح الآن، وعلى رغم الصورة القاتمة هذه، ان هذا النوع من الحديث سينتهي بعد أيام قليلة من انتهاء قمة كوبنهاغن. وإذا كان الجميع يشكو من تقصير الحكومات المنهمكة ب «قضايا مصيرية» تفوق المناخ (!) فإن على الفضائيات، التي دقت ناقوس الخطر، أن تستمر في ما يمكن تسميته ب «التوعية البيئية»، وهذا الأمر مطلوب أكثر في الدول الصناعية الكبرى، المسؤولة، بالدرجة الاولى، عن زيادة درجة حرارة الأرض. لكن المشكلة أن الضرر لا يقتصر عليها بل يشمل الجميع، وليس العالم العربي، كما أظهرت تلك التقارير، بمنأى عن تلك الاضرار، بل هو من المناطق الأكثر تضرراً (كما قيل في برنامج «أجندة مفتوحة» على «بي بي سي» مثلاً)، ومن هنا فإن على الفضائيات ان تكرس جزءاً من اهتمامها لنشر ثقافة بيئية قد تسهم في التخفيف من «الخطرالقادم من الغرب»