خير ما يعبّر عن اللغط الذي رافق الضربات الاسرائيلية على 40 موقعاً للنظام السوري هو أغنية المطرب المصري الشعبي شعبان عبدالرحيم المعروف ب «شعبولا»، «أنا بكره اسرائيل». فما أصاب الشعوب العربية خلال عقود من الزمن، انها باتت تكره اسرائيل كتحصيل حاصل من دون ان تعرف في المقابل إن كانت تحب «الريس» او عمرو موسى أو غيرهما كما تقترح الأغنية. فالأصل هو الكره، وما عدا ذلك تفاصيل. أما الاسباب فكثيرة منها أن «القدس تهمنا» ومن باب الدعم ل «فلسطين والعراق وجنوب لبنان وسورية والجولان» ناهيك عن أن اسرائيل «تعشق الخراب وتكره العمار». ولئن أصبح التعبير عن العداء لإسرائيل مستهل أي كلام سياسي، فلننطلق من أننا نكره اسرائيل ونمقتها ونعاديها، وإن سقط «الريس» منذ انطلاق الاغنية، وحل نبيل العربي مكان عمرو موسى وغير ذلك من أحداث. فتلك أيضاً... تفاصيل. أما بعد، تبين فجأة أن السوريين لا يكرهون اسرائيل بالقدر الذي نشتهي. فقد عبّر عدد غير قليل منهم سواء علناً أو على صفحاتهم الالكترونية بسعادتهم وترحيبهم بالضربة الاسرائيلية التي تشلّ قدرة النظام العسكرية، كما قارن بعضهم بين أعداد من سقطوا على يد بشار الأسد ومن قتلتهم إسرائيل. أما ردود الأفعال اللاحقة والأقل عفوية فتراوحت بين «ممانع» يطالب من ترتكب مجازر بحقه بالوقوف الى جانب قاتله ضد العدو الخارجي، و «موضوعي» يعلي كرهه المبدئي لإسرائيل على أي نتيجة أخرى، في وقت لم يحسم بعد في كفة من تصب تلك الضربات. فلا يبدو أن نظام بشار تأثر بها حتى الآن، لا سيما أنه لا يوفر سكاكين المطبخ لقتل من يشاء قتلهم. وبهذا، لا شيء يمنع أن تكون «ضربة وقائية» تمنع وقوع تلك الاسلحة في يد نظام بديل في حال سقوط الأسد. وتلقائياً، بدا السوريون يؤاخذون أنفسهم على ذلك الانجراف العاطفي، فحذفوا عبارات الترحيب والتأييد واستبدلوها بأخرى «لائقة» وأقل عفوية، تندد وتشجب. كما سارعت التنسيقيات والمكاتب الإعلامية بدورها الى إطلاق شعارات ورسم لافتات تذكّر بالكره التاريخي لإسرائيل. ولكن السوريين ليسوا وحدهم في التعبير عن تلك المشاعر الأولى حيال اسرائيل. فأبناء الجولان المحتل أنفسهم سبق أن خرجوا في تظاهرات منذ بضعة أعوام رفضاً لضم قراهم الى الادارة السورية. أما اللبنانيون والجنوبيون منهم خصوصاً، فعندما تُرك الامر لهم وليس للأحزاب، استقبلوا الدبابات الاسرائيلية بالورد والرز خلال الاجتياح. تلك من الحوادث التي تطمسها الحكايات الرسمية وتعلي عليها أدبيات المقاومة وصد العدو سواء في لبنان أو في سورية. ولم يتأخر العراقيون في تكرار المشهد نفسه مع الدبابات الاميركية في 2003 قبل أن يتسنى لهم أيضاً إعادة صوغ مشاعرهم الجماعية وصبّها في مواقف سياسية وأعمال عسكرية. والواقع أن الفلسطينيين أنفسهم أيقنوا أن الضفة نموذج قابل للحياة أكثر من القطاع. وليس أدل على ذلك من حركة «حماس» التي تتنفس برئة المساعدات الدولية الممنوحة للسلطة. كما أن جمهورها يثق بحليب الاطفال والدواء والمعلبات الاسرائيلية أكثر من تلك المهربة عبر الأنفاق مع مصر. لكن، هل يعقل أن يكون كل هؤلاء مجرد «خونة» يحبون اسرائيل؟ أم أنه ببساطة ما عاد ذلك الكره وحده كافياً للتغاضي عن ذنوب ترتكب بحق شعوب بكاملها. نحن نكره اسرائيل أو لا نكرهها، تلك تفاصيل. الاصل ان نبحث عن «ريس» نحبه ويحبنا. * صحافية من أسرة «الحياة»