، هذا ليس المثل الحقيقي، لكنه قياس ينطبق بدقة على ما حدث خلال الأسابيع الماضية في مدن وقرى المملكة، فقد كان لتلك الأمطار العنيفة، وما صاحبها من سيول غمرت البلاد، نتائجها التي أكرمت وأهانت وعززت وفضحت. لعلنا نرصد هنا أهم الرابحين والخاسرين، كما سنرصد أيضاً من يقف على خط الاحتياط، في انتظار الجولة المقبلة، التي يبدو أنها ستتابع مع التغير المناخي للمملكة. أهم من كسب خلال معركة السيول الهادرة والطبيعة الغاضبة، كان هو «المطر» نفسه، فقد أكد لنا جميعاً أننا لسنا بمنأى من غضب الطبيعة، مهما تباعدت بنا العقود أو السنون. كما أنه أكد أننا لن نستطيع تغيير حقيقة الأرض بوديانها وجبالها وسهولها، وأن الوادي يبقى وادياً، مهما زورناه وبنيناه وشجرناه، فالمطر سيأتي يوماً ما، ويقتلعه ويعيده وادياً كما خلقه الله. ثاني الرابحين كان هو «المواطن» الذي اكتشف أن جهاز «الدفاع المدني» يقف معه على خط المسؤولية، ويحول بينه وبين الموت والخطر، مغيراً بذلك صورته الذهنية في أعين الناس، التي ظلت تحتفظ بها لأعوام عدة عنه، وهو ما يعطي الدليل القاطع على أن الناس في معظمها منصفة، مع من يقف معها، ويؤكد أنه كفؤ لخدمتها. كما كان لوسائل الإعلام الحديثة قصب السبق والحصول على مكاسب إضافية، من خلال تغطية الحدث «لحظة بلحظة»، و«استغاثة باستغاثة»، لتفرز أبطالاً جدداً في «تويتر» و«يوتيوب»، نقلوا وصوروا بأجهزتهم النقالة، الدمعة والابتسامة، والحياة والموت، والرجولة والنخوة، والشجاعة والتهور، كما خلقها الله من دون تزييف أو خداع. في المقابل كان هناك الكثير من «الخاسرين» الذين فضحهم المطر وكشف عوراتهم، أمام المسؤول والمواطن والضمير. لعل أبرز الخاسرين كانت «البلديات»، التي وجدت نفسها في «حيص بيص»، أمام اختبار حقيقي لبنيتها التحتية، ولا أدل من بلدية الطائف التي سقطت كل مشاريعها الجديدة، بينما صمدت المشاريع القديمة التي نفذت قبل 30 عاماً. ويتلو البلديات في بورصة الخسائر وزارة الزراعة، المسؤولة عن بناء السدود، فقد وصف «أمير عسير»، على سبيل المثال، أحد السدود المنهارة، بأنه عبارة عن أكوام من التراب، لم تلبث أن انهارت في أول لحظة اختبار حقيقية. ويشارك البلديات والزراعة، المقاول الفاسد الذي خدع وطنه وضميره، ببنائه الهش لمشاريع ضخمة حقق من ورائها بلايين الريالات. لقد كان ذلك مؤشراً حقيقياً لمشاريع رسمت جيداً على الورق، لكنها كانت أقل من طموحات الوطن بناسه ومسؤوليه. أما أكبر الخاسرين فقد كان الإعلام التقليدي بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، الذي وجد نفسه «يعيش في زمن غير الزمن ومع أناس غير الناس»، فاختفت التغطية الحية، وتاهت الصورة النادرة، في وقت كان بالإمكان اقتناص لحظات وصور، ما كان لها أن تتكرر، في واحد من أقسى مشاهد الطبيعة وأندرها. أما من يقف على خط الاحتياط، في انتظار جولة مطر جديدة، فهي مدينة جدة، التي لم تختبر اختباراً حقيقياً منذ عامين، لنرى إن كانت مشاريعها الجديدة، على قدر ما صُرف ورُصد لها أم لا؟... وسلامتكم. [email protected] @dad6176