«الكتاب الأبيض» (دليل الدفاع) الفرنسي في 2013 هو بمثابة امتداد لنظيره في 2008. فهو يرجح كفة اتجاهين سبق ان أرساهما الدليل السالف في الدفاع والأمن القومي: مبدأ تصدر الأمن القومي الاولويات وتعزيز وسائل رصد المعلومات واستباق (الهجمات والنزاعات)، أي الجانب الوثيق الصلة بالاستخبارات. ولا يقتصر مفعول ترجيح كفة الأمن القومي على القوات المسلحة، بل هو يشمل كذلك وزارة الداخلية. وندّد جزء من اليسار في 2008 بهذا الترجيح، وطعنوا في إمكان تسليطه سيف الامن على الحريات الشخصية. واليوم، لم تطعن أي جهة فيه. وفي دليل 2013، يتولى البرلمان الرقابة على الاستخبارات. واُبرز دور لجنة الاستخبارات القومية. ويقضي الدليل بالحفاظ على المعدات الاستخباراتية الاساسية: أحدث أجيال الاقمار الاصطناعية التجسسية. وتعثر عمل الاستخبارات إثر عملية دمج الاستخبارات العامة ومديرية مراقبة الاراضي الفرنسية. والكتاب الابيض في 2013 يذلل المشكلات هذه. ولا يخفى ان الدليل هذا يحتسب نتائج «الاستدارة الاميركية» (نحو آسيا المحيط الهادئ)، وتراجع مكانة أوروبا ومنطقة المتوسط في سلّم الاولويات الاميركية. وهذا ما اختبرته فرنسا، اخيراً، في الحملة على ليبيا والعملية العسكرية في مالي. ولذا، هي مدعوة الى تعزيز قدراتها وهامش استقلالها عن القدرات الاميركية، وتوطيد التعاون الاوروبي. وهي تفتقر الى طائرات من غير طيار، على رغم أن اسعارها ليست باهظة قياساً الى اسعار المقاتلات الجوية. ولا مفر من شراء مثل هذه الطائرات من اميركا، والسعي الى تطوير الجيل القادم منها محلياً او أوروبياً. ويقتضي واقع الاحوال طي الشراكات الدفاعية (الثنائية) الاوروبية المتعثرة. ويرجح أن يعدل عديد القوات البرية في قانون البرنامج العسكري. فطوال عقدين، استندت «الكتب البيضاء» في تحديد عديد هذه القوات الى نموذج القوة المقاتلة في حرب الخليج في 1991، وبلغ عددها 30 الف جندي. والنموذج هذا أفل. وأفوله ليس من بنات التقشف في الموازنات العامة فحسب. فعلى سبيل المثل، اذا اندلعت حرب في الخليج، سيتوسل بقوات جوية وبحرية في جبه تحدياتها. فثمة اجماع على ان قوات احتياط الجيوش البرية تبلغ 66 الف جندي، يشارك 15 الف منها في عمليات مشتركة، أي في اطار الناتو. ويرمي الكتاب الابيض الفرنسي الى المساهمة في «أوربة» العتاد العسكري في القارة القديمة. ويعود قرار البت في مثل هذه الخطوة الى المجلس الاوروبي الذي سيناقش الشؤون الدفاعية في الاشهر القادمة. ولعل أبرز التحديات الفرنسية في الاعوام المقبلة هو تحديث قوة الردع النووي. * مستشار في مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 30/4/2013، إعداد منال نحاس